رحلة اليأس والأمل: تجربة غالية مع سرطان الثدي من قطاع غزة

تسكن غالية*، 40 عاماً، في شقة صغيرة بمدينة رفح في جنوب قطاع غزة مع زوجها   جميل وأطفالها الثلاثة: جمانة، 14 عاماً، نسمة، 7 عاماً، وسليم، 4 عاماً.

تم تشخيص غالية بسرطان الثدي قبل حوالي ثلاثي سنوات حين شعرت في يناير 2020م بألم في ثديها وأرشدتها أختها الأصغر رانيا لإجراء فحص طبي.

تتذكر غالية رحلة علاجها المعقدة والتي اضطرت فيها للتنقل بين عدة أماكن لإجراء الفحوصات وتلقي العلاج: "ذهبت إلى عيادة غير حكومية وبعد فحص ثدي سريري تم تحويلي لإجراء فحص عبر الماموجرام؛ حصلتُ على موعدٍ في مستشفى خاص لأنني لم أستطع الإنتظار حتى الحصول على موعد في مستشفى حكومي."

"حين رأى الجرّاحون تقرير الماموجرام أخبروني بوجود كتلة خبيثة في ثديي وبوجوب إزالتها عبر عملية جراحية. خضتُ أول عملية لإزالتها ولكن الجرّاحين وجدوا أنهم بحاجة إزالة المزيد من ثديي وتلقيت عملية جراحية ثانية".

"تم تحويلي بعدها لمستشفى غزة الأوروبي لتلقي العلاج الكيميائي وكان ذلك خلال جائحة كورونا وكانت المستشفى مُخصصة لحالات الإصابة بالفيروس. تم نقل خدمات رعاية السرطان إلى جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في مدينة خان يونس وتلقيت هناك علاجي الكيميائي على ثمان جلسات وكانت آخرها في أكتوبر 2021م".

تشير وزارة الصحة الفلسطينية إلى أن عدد حالات الإصابة بسرطان الثدي شكّل 34.3% من كافة حالات الإصابة بالسرطان بين النساء في غزة في عام 2021م، كما تسبب سرطان الثدي في 13.3% من كافة حالات الوفاة بالسرطان بين عامي 2016م و2020م.  وبالرغم من كون سرطان الثدي أكثر أنواع السرطان قابلية للعلاج إلا أن القيود التي تفرضها إسرائيل على قطاع غزة—بما فيها الإغلاق والحصار المستمران لأكثر من 15 عاماً—تعني أن العراقيل التي يواجهها المرضى من غزة في محاولة تلقي علاجهم منقطعة النظير حول العالم.

تتمثل هذه العراقيل في النقص الشديد في الأدوية والمستلزمات الطبية وفي القيود التي تفرضها إسرائيل على الحق في حرية الحركة للمرضى لتلقي العلاج اللازم خارج غزة وللعاملين في المجال الصحي للمشاركة في فرص خارجية للتدريب والتنمية المهنية، وهو ما يؤدي في مجموعه لتقويض القدرات المحلية على تشخيص وعلاج سرطان الثدي.

تتعاقب على إنعدام خدمات العلاج الإشعاعي ونقص بعض أنواع العلاج الكيميائي في غزة حاجة المرضى للوصول إلى مستشفيات في الضفة الغربية—خاصةً في القدس الشرقية—أو في خارج الأرض الفلسطينية المحتلة، ولا تكتفي السلطات الإسرائيلية بتقييد هذا الوصول وفرض منظومة تصاريح مضنية ومبهمة يتوجب على المرضى التقدم من خلالها للحصول على إذن بممارسة حقهم في الحركة لتلقي العلاج؛ بل تقوم أيضاً وعلى نحوٍ متكرر بتأخير طلباتهم ورفضها بشكل تعسفي.

تعمل جمعية العون الطبي للفلسطينيين (ماب) منذ عام 2017م على التصدي للعراقيل أمام رعاية مرضى سرطان الثدي وذلك عبر دعوة وفود طبية إلى قطاع غزة، وعبر منح المختصين الفلسطينيين فرصاً لتنمية مهاراتهم في المملكة المتحدة وفي الأردن، وعبر توريد المعدات والمستهلكات الأساسية، وعبر المساهمة في تطوير أنظمة الرعاية والتحويلات الطبية؛ ولكن ذلك—في وجه التحديات الجسيمة—لا يعني أن جميع مريضات سرطان الثدي لن يحتجن لتلقي العلاج خارج غزة.

بعد تلقيها العلاج الكيميائي في غزة تم تحويل غالية لمستشفى أوغوستا فيكتوريا-المطلع في القدس الشرقية المحتلة لتلقي العلاج الاشعاعي وهو آخر محطة في رحلة علاجها الشاقّة، وتقدّمت في أكتوبر 2021م بطلب لتصريحٍ إسرائيلي للخروج من غزة إلا أنه رُفض.

تقول غالية: "لم أستسلم حين رُفض طلبي وحاولت مراراً وتكراراً وبعد المرة الرابعة من الرفض طلبت مساعدة من إحدى مؤسسات حقوق الإنسان وحصلت على الموافقة بعدها وسافرت إلى القدس في يوليو 2022م لجلسة العلاج الاشعاعي والتي كان قد تم تأجيلها لتسعة أشهر. كنت دائماً أبكي وأتساءل عن سبب رفض طلبي في حينٍ حصل فيه آخرون أعرفهم من غزة عليه وأتمّوا علاجهم."

لا تفرض إسرائيل على المرضى فقط حاجة التقدم بطلب لتصاريح العبور وإنما أيضاً على ذويهم الذين يرافقونهم في رحلتهم الشاقّة. في يوليو 2022م منحت السلطات الإسرائيلية تصاريحاً لـ34% فقط من مرافقي المرضى الذين تقدموا بطلباتهم، وكان من بين مرفوضي الطلبات أخت غالية مما اضطرها للسفر لوحدها.

خضعت غالية لسلسة طويلة من الكشوفات الطبية والتحليلات المخبرية والصور بالماموجرام وبالأشعة المقطعية والتي بيّنت أن الكتلة الخبيثة لازالت في ثديها وأنها بحاجة لاستئصال الثدي بالكامل قبل شروعها بتلقي العلاج الاشعاعي.

أخبر الأطباء غالية بأن فريقاً من المختصين بجراحة الثدي سيزورون المستشفى بعد ثلاثة أشهر وأنهم سيقومون بإجراء العملية لها، ولكن غالية لم تستطع إنتظار تلك المدة وقررت العودة لأطفالها في غزة وتلقي عملية الاستئصال هناك، وقد تلقت حتى الآن ثلاث عمليات جراحية.

تقدّمت غالية بعد عمليتها الأخيرة بطلب تصريح جديد لها ولأختها لمرافقتها في السفر للقدس لتلقي العلاج الاشعاعي وشعرت بالفرح حين تم قبول الطلبين وتلقت في آغسطس 2022م أول جلسة علاج اشعاعي لها من أصل 16 جلسة وهو ما يعني أن كلاً من غالية وأختها بحاجة للتقدم بطلب تصريح جديد قبل كلٍ من الجلسات المتبقية، وتمكث غالية الآن في انتظار تصريحها الجديد لتلقي جلستها الثانية.

ستكون غالية في وضع أيسر لو تواجد العلاج الاشعاعي في غزة أو لو أنها لم تحتج لتصريح إسرائيلي جديد قبل كل جلسة من جلسات علاجها. يتوجب على إسرائيل—القوة القائمة بالاحتلال—ضمان وصول المرضى من غزة إلى الرعاية الطبية التي يحتاجونها دون عراقيل.

تقدم ماب دعمها في هذا السياق لتطوير خدمات رعاية مرضى السرطان في غزة وأيضاً لحشد الدعم من أجل إنهاء سياسة وممارسات الإغلاق والعقاب الجماعي التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة—بمن فيهم المرضى المحرومين من حقهم في الرعاية الطبية.

تستطيع حكومات الدول حول العالم أخذ المزيد من الإجراءات لضمان وصول النساء مثل غالية للرعاية الطبية التي يحتجنها بما في ذلك عبر الضغط على إسرائيل لإنهاء قيودها على حركة المرضى وعبر المساهمة في تطوير خدمات الرعاية الطبية المحلية في قطاع غزة.

ندعو متابعينا لمراسلة ممثليهم البرلمانيين وحثّهم على مطالبة حكوماتهم بالتصرف الآن.

*تم تغيير الأسماء لحماية الخصوصية

Stay updated – join our mailing list

Sign up for our newsletter to receive all the latest updates from our programmes, campaigns and fundraising appeals.

* indicates required
Your Interests