تكرار العنف أدى لتطبيعه: مدير برامج ماب محمود شلبي يشارك قراءته لأثر الهجمات الإسرائيلية على القطاع الصحي والإنساني في غزة

مضت ثلاث أسابيع على العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة قتلت فيه القوات الإسرائيلية 49 فلسطينياً—من بينهم 17 طفلاً—وأصابت 360 آخرين خلال ثلاثة أيام، وبالرغم من بدأ الأوضاع بالعودة لـ"طبيعتها" إلا أن "طبيعة" الأوضاع في غزة تعني وضعاً اقتصادياً متدهوراً وأزمة صحية مستمرة ووصولاً للتيار الكهربائي لست ساعات فقط في اليوم الواحد.

يُشرف القطاع الصحي في غزة على الإنهيار منذ أكثر من عشر سنين بفعل القيود التي تفرضها إسرائيل عليه؛ فبينما يحاول الفلسطينيون إنقاذ خدماتهم الصحية من آثار الهجمات الإسرائيلية السابقة والأزمات المتعاقبة إلا أن إسرائيل تمنع وصولهم لما يزيد عن الحد الأدنى من متطلبات تقديم الخدمات—دون أن تنهار كلياً.

كما تُقوّض إسرائيل—في ظل حملتها لتقليص مساحات عمل المجتمع المدني—من قدرة الجمعيات مثل ماب على التدخل لمساعدة الفلسطينيين؛ فجعلت على سبيل المثال حصولَ العاملين في المجال الإنساني على تصريح لدخول قطاع غزة أمراً غايةً في الصعوبة. أمكثُ شهوراً في محاولاتي الحصول على تصريح إسرائيلي وأخسرُ في ذلك مدى قدرتي على التعاون مع زملائي في الإقليم وحول العالم كما أنني ألتحق متأخراً بفرص التدريب والتطوير المهني في الخارج.

شاركتُ في الأسبوع الماضي في لقاء افتراضي مع جرَّاحي مخ وأعصاب من غزة والمملكة المتحدة من أجل تخطيط زيارة الوفد الطبي القادم لدعم خدمات جراحة المخ والأعصاب في قطاع غزة، ولكننا اضطررنا لإلغاء الزيارة لأن المتطوعيين البريطانيين لم يشعروا بالأمان حيال قدومهم لغزة. كانت هذه المرة الأولى التي اضطررنا فيها لإلغاء زيارة وفد طبي—قبل أسابيع فقط من الموعد المحدد—وذلك بسبب الوضع الأمني في غزة. سيكون من بالغ الصعوبة علينا الاستمرار في عملنا إذا ما اضطررنا لإلغاء المزيد من زيارات الوفود الطبية.

تتمتع ماب لحسن الحظ بموقف قوي سمح لها بالإستجابة للحالة الطارئة المتعاقبة على العدوان الأخير فلدينا في مستودعاتنا المنتشرة في غزة مخزونات من الأدوية والكشوفات المخبرية والمستهلكات الطبية الجاهزة لإمدادها للمستشفيات. لقد كانت استجابتنا يوميةً وسريعةً وفعّالة.

ولكن لم يكن هناك أي ضمانات لسلامتي بسبب عدم وجود أي ممرات إنسانية خاصة بتأمين سلامة مقدمي المساعدة. خاطرت بحياتي خلال ذروة الهجمة الإسرائيلية من أجل تقديم هذه المعونات الطبية بسرعة وهو ما يجعلني أتساءل أحياناً فيما إذا كنت سأقوم بذات الأمر في المستقبل ما لم يكن هناك أي ضمان لسلامتي وحياتي.

قدّمت ماب حتى الآن من هذا العام ما قيمته 150,000 دولار أمريكي من الأدوية والمستهلكات الطبية والمواد المخبرية الصفرية—أي الموجودة بكميات تكفي لأقل من شهر—وتضمنت أدويةً لفشل القلب ومضادات للسموم الحادّة وأدوات لغسيل الكلى وغسيل الكلى الصفاقي (للتعويض عن الكلى حال فشلها)، وسيستفيد من هذه المعونة 1,420 مريضاً في مستشفيات غزة؛ كما قدّمت مواداً مخبرية سيستفيد منها 258,000 مريض وسيتم استعمالها في الفحوصات الطبية وفحص مستويات الجلوكوز في الدم لدى الأطفال والبالغين في وحدات العناية المركزة—بما فيها تلك الخاصة بحديثي الولادة.

نحن مستمرون في توريد الأدوية الصفرية الخاصة بالصدمات وحالات الطوارئ ولكننا نواجه مزيداً من التحديات في ظل تأخير معظم طلبياتنا وهو ما يجعلنا نأخذ مزيداً من الحذر في تخطيطنا للتوريدات في المستقبل.

نخطط على المدى البعيد لتجديد مخزوناتنا بينما نستمر في تدريب المهام الطبية الفلسطينية على التعامل مع الصدمات وفي تعزيز قدراتهم على الاستجابة لحالات الطوارئ في المستقبل.

طالت هجمات إسرائيل في أثرها الجميع في غزة، وفي كل هجمة نتساءل جميعاً إذا ما كانت تلك آخر لحظات حياتنا. يصبح الأمر أكثر صعوبة حال كان لديك أطفال فأنا أواجه صعوبة في الإجابة على كافة أسئلتهم؛ يبلغ ابني الأكبر ثمان سنوات ولديه في هذا السن المبكر فهم لماهية وقف اطلاق النار ويدرك أن الغارات الإسرائيلية تقتل المدنيين والنساء والأطفال. لقد أصبح العنف طبيعياً بالنسبة لابني ولجميع أطفال غزة.

ولكن الأمل يسود هنا، ولدينا الكثير من الإيمان؛ علاقاتنا بأسرنا وأصدقائنا ومجتمعاتنا وزملائنا تشكل جزءً مهماً جداً من حياتنا ومصدراً لقوتناً. نآمل أن يستمر وقف اطلاق النار ونتمنى أن ينتهي العنف الذي يملؤ حياتنا منذ سنين.

تقدم ماب دعماً هامّاً للخدمات الصحية في قطاع غزة كجزء من استجابتها لحالة الطوارئ ونرجو دعمكم الكريم لعملنا في ظل حرمان غزة من الأدوية والمعدات الطبية.

Stay updated – join our mailing list

Sign up for our newsletter to receive all the latest updates from our programmes, campaigns and fundraising appeals.

* indicates required
Your Interests