19 December 2022
يواجه الفلسطينيون في قطاع غزة واقعاً تتشابك فيه آثار الاحتلال الاسرائيلي والفقر والاعاقة، حيث تزداد أوضاع المعيشة سوءً في ظل الحصار والاغلاق المستمرين لـ15 عاماً والهجمات العسكرية المتكررة والوصول المحدود للخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء والرعاية الطبية والصرف الصحي.
يشير الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني إلى أن الأشخاص ذوي الاعاقة يشكّلون حوالي 7% من سكّان قطاع غزة، وبينما تصل نسبة البطالة بين سكّان القطاع إلى 44%—لتشكّل إحدى أعلى نسب البطالة في العالم—تبلغ هذه النسبة ما يزيد عن 90% بين الأشخاص ذوي الاعاقة في القطاع؛ وتتسبب هذه الظروف في اعتماد غالبية الأشخاص ذوي الاعاقة على المساعدات الإنسانية بشكل رئيسي.
تعمل جمعية العون الطبي للفلسطينيين (ماب) على دعم وتعزيز الشمول والمساءلة لصالح الأشخاص ذوي الاعاقة، وتتبنى في برامجها نهجاً اجتماعياً ومبنياً على حقوق الإنسان لتحقيق ذلك؛ فبالإضافة إلى ضمان جودة الرعاية الطبية للمحتاجين لها فإن ماب تركز على إزالة المعيقات التي تحول دون مشاركة فاعلة للأشخاص ذوي الاعاقة في المجتمع—سواءً فيما يتعلق بوصولهم للخدمات أو التعليم أو التوظيف أو الأنشطة الثقافية والاجتماعية. كما وتعمل ماب مع شركائها على تدريب الأشخاص ذوي الاعاقة لتطوير المهارات والأدوات اللازمة لهم في مواجهة السلوكيات السلبية تجاههم ومن أجل لعب دور فعّال في تنمية مجتمعاتهم.
قامت ماب في يوليو 2020م بدراسة المعيقات التي تحول دون شمول الأشخاص ذوي الاعاقات الذهنية وصعوبات التعلم والتوحّد حيث شمل نطاق الدراسة المجتمع في قطاع غزة بشكل عام وبرامج ماب بشكل خاص، وخلصت الدراسة إلى النتائج المختصرة في الجدول أدناه:
المعيقات الرئيسية التي تحول دون تمتع الأشخاص ذوي الاعاقة بحقوقهم في قطاع غزة |
||
المعيقات السلوكية |
المعيقات المؤسساتية |
المعيقات السياقية |
|
|
|
الافتقار لاجراءات وارشادات خاصة بحماية الأشخاص ذوي الاعاقة—خاصة النساء والفتيات. |
|
|
الوصم والتمييز من قِبل أفراد الأسرة والأقران وأعضاء المجتمع. |
|
|
التركيز المستمر على استخدام النموذج الطبي/الخيري في التعامل مع الأشخاص ذوي الاعاقة (والذي يقدّمهم على أنهم "مشكلة" بحاجة لـ"حل") وذلك عوضاً عن النهج الشمولي الذي يقرُّ بأن الإعاقة شكلٌ من أشكال التنوّع البشري ويسلطُ التركيز على المعيقات التي تحول دون مشاركة الأشخاص ذوي الاعاقة في مجتمعهم.
|
|
تنطوي الحياة في هذا السياق الصعب على تحدياتٍ ذات أثرٍ خاصٍّ على الأطفال ذوي الاعاقة وعلى ذويهم، وتوضح أمل زقّوت—مسؤولة برامج ماب—أن: "تربية طفل ذو اعاقة ذهنية أمر صعب وخاصةً في مكان مثل غزة حيث غالباً ما يواجه الوالدين مشاعر الحزن والاستياء وخيبة الأمل والاحباط." تحتاج الأسر كنتيجة لذلك لدعم اجتماعي ونفسي فعّال، وهي الحاجة التي تعمل ماب على تلبيتها عبر شراكتها مع مؤسستين في قطاع غزة: جمعية الثقافة والفكر الحر وجمعية عبد الشافي الصحية والمجتمعية. تمتلك الجمعيتان خبرة واسعة في مجال الصحة الانجابية والجنسية عبر عملهما مع الفتيات والنساء من ذوات الاعاقة ومع أُسرهنّ على تفكيك واجتياز المعيقات التي تحول دون تمتعهنّ بحقوقهنّ. كما عملت ماب مع جمعية نجوم الأمل—وهي مؤسسة استشارية متخصصة في مجال الاعاقات الذهنية وصعوبات التعلم—من أجل تقديم الدعم للمجتمعات بشكل ممنهج وذي جودة مناسبة.
يؤكد د.إياد الكرنز، المدير العام لجمعية نجوم الأمل على أن: "الفتيات والنساء صغيرات السنّ من ذوات الاعاقات الذهنية لازلن الأقل قابلية للوصول للخدمات في المجتمع الفلسطيني مقارنةً بالفتيات والنساء من ذوات أشكال الاعاقة الأخرى؛ فالخدمات المُقدمة محدودة وهناك نقصٌ في الاجراءات والبيانات اللازمة لتلبية حاجاتهنّ، وهو ما يؤثر سلباً على صحتهنّ وحقوقهن الاجتماعية وحقهنَّ في الصحة الانجابية والجنسية.
ويضيف د. الكرنز: "وقف الوصم الاجتماعي والعنف ضد هذه الفتيات مرهونٌ بإقرار حقيقيٍ بحالة التهميش والإهمال التي يواجهنها."
قامت ماب على مدى عامين بدعم 110 فتاة ويافعة من ذوات الاعاقة حيث عملت كل من المؤسستين الشريكتين لها مع 55 منهنّ ومع أسرهنّ، وقدمت ماب لهنّ الدعم النفسي والنفسي-الاجتماعي وزدوتهنّ بالأجهزة المساعدة، ووفّرت لهن ولذويهن الأدوات اللازمة لمواجهة الوصم الاجتماعي، وقامت برفع مستوى الوعي بحقوق الصحة الانجابية والجنسية.
أصبحت الفتيات كنتيجة لهذا العمل أكثر استقلالاً في قيامهنّ ببعض أنشطة الحياة اليومية—بناءً على نتائج تقييم "أنشطة الحياة اليومية" (ADL)؛ فعلى سبيل المثال انخفضت نسبة الفتيات اللواتي يعتمد على ذويهن في: تناول الطعام (من 50% إلى 42%) وفي النظافة الشخصية والاستحمام (من 46% إلى 40%)، وفي التواصل مع الآخرين (من 51% إلى 45%)، وفي المهارات المهنية (من 89% إلى 78%)، وفي المهارات الذهنية (من 56% إلى 49%).
كما أشارت المستفيدات من هذا الدعم إلى الأثر الكبير الذي يلمسنه في حياتهن بسببه؛ حيث تقول والدة إحدى الفتيات: "تعاني ابنتي من ضمور الدماغ ولم أتوقع أبداً أن تصبح واثقة واجتماعية كما هي الآن. يمكنني أخيراً اصطحابها للقاءات العائلية ويمكنها الاعتناء بنفسها وحتى أحياناً مساعدتي في المطبخ." أما رنا—وهي طفلة مستفيدة أخرى—فتقول: "أحب الرسم فهو إحدى الطرق للتعبير عن ذاتي. دائماً ما أرسم عيناً باكية وقلباً منكسراً لأن ذلك يمثّل شعوري حين تعرضي للتنمّر أو حين يسخر الناس من مظهري. لقد شعرت بالسعادة والقوّة حين طُبعت رسوماتي على القمصان التي ارتديناها خلال رحلتنا الترفيهية. أظنُّ أنني أزداد قوة وأن بمقدوري تحدي بعض التنمّر الآن."
يمكنكم التبرع اليوم للمساهمة في عملنا مع شركائنا من أجل حماية كرامة وحقوق الأشخاص ذوي الاعاقة في فلسطين ولبنان.