يوم المرأة العالمي: طبيبة صحة المرأة التي تقدم الرعاية الصحية للمجتمعات المهددة في الضفة الغربية

تمثّل المنطقة "ج" 60% من مساحة الضفة الغربية والتي تقع بكاملها تحت السيطرة الاسرائيلية المدنية والعسكرية، ويواجه الفلسطينيون المقيمون في المنطقة تحديات عديدة ومستمرة تهدد صحتهم وكرامتهم؛ بما في ذلك الحدُّ من وصولهم لخدمات الرعاية الصحية والتهديد الدائم بهدم بيوتهم وتشريدهم منها، وهم يواجهون في ذلك أعتى صور الاحتلال وسياساته العنصرية.

في هذا السياق يُضطر الفلسطينيون في المنطقة "ج" للاعتماد على العيادات المتنقلة كالتي تقدّمها جمعية الاغاثة الطبية الفلسطينية والتي تموّلها جمعية العون الطبي للفلسطينيين (ماب).

تختص د. أسيل دار علان في طب صحة المرأة وتعمل مع العيادة المتنقلة التي تستهدف المجتمعات البدوية في منطقة الأغوار، وفي حديثها مؤخراً مع فريق ماب شاركت د. أسيل معاينتها لظروف التهميش الخاصة والبيئة القسرية التي تواجهها النساء في منطقة الأغوار، كما تحدثت عن أهمية عملها في صون صحتهنّ وكرامتهنّ:

"تقدّم العيادات المتنقلة كافّة خدمات الرعاية الأولية التي تحتاجها المجتمعات في المنطقة "ج"، كما أنها تلعب دوراً أساسياً في رفع مستوى الوعي لدى هذه المجتمعات بقضايا الصحة وخاصةً بالنسبة للنساء حيث يشكّلنَ إحدى أكبر الفئات المحتاجة لخدمات العيادة المتنقلة."

وتضيف د. أسيل: "العديد من النساء في منطقة الأغوار لم يكملن تعليمهن المدرسي—بسبب المعتقدات الثقافية أو بسبب التحديات ]الناتجة عن القيود المفروضة على حركة الفلسطينيين[ والتي تشكل عائقاً أمام وصول الفتيات للمدارس الثانوية، ولذلك فإن لخدماتنا دورٌ أساسي في مساعدة النساء على تثقيف أنفسهن بقضايا الصحة ووسائل الوقاية من الأمراض والمخاطر الأخرى لصحتهنّ."

"الأمراض الأكثر شيوعاً في مناطق الأغوار هي أمراض الجهاز التنفسي والأمراض الجلدية وذلك أولاً بسبب الظروف المناخية وطبيعة البيئة التي تميز منطقة الأغوار، وثانياً بسبب اعتماد السكّان على النار المكشوفة في الطهي وبالتالي عرضتهم لإصابات الحروق."

تسكن نادية* في تجمّع أبو حسين في منطقة الأغوار وهي إحدى المستفيدات من خدمات العيادة المتنقلة وعمل د. أسيل، وفي وصفها لأهمية العيادة بالنسبة للتجمع تقول نادية: "لقد ساعدتنا العيادة المتنقلة كثيراً وخاصةً في رعاية أطفالنا عبر تقديمها خدمات الرعاية الطبية وتوفير الأدوية الأساسية التي كنّا نحتاجها دون أن نستطيع الحصول عليها."

"يمكننا الآن كنساء تلقّي الرعاية الصحية على يدي طبيبة مختصة بصحة المرأة، ونشعر بالارتياح حين كشفها على حالتنا وحين تقديمها للنصائح لنا للوقاية من الأمراض."

تُقام العيادة المتنقلة بطبيعتها داخل مباني التجمعات والتي بسبب ضيقها تُحرَم النساء من مستوَ الخصوصية المناسب أثناء الكشف عن حالاتهن، وتشير نادية لذلك بقولها: "نحن بحاجة للشعور بالارتياح حين الخضوع لفحص طبي، كما أننا بحاجة للمعدات اللازمة للمتابعات الطبية الخاصة بالنساء الحوامل."

تنطوي البيئة القسرية في منطقة الأغوار على تهديدات جسيمة لصحة الأطفال أيضاً، حيث يعاني 16% من الأطفال الفلسطينيين دون الخامسة من حالات التقزّم وهي النسبة التي تصل لـ23% بين الأطفال في المجتمعات البدوية، وترتبط حالات التقزّم بآثار طويلة الأمد على الصحة الجسدية والنمو الذهني والنتائج التعليمية والاقتصادية لدى الأطفال المصابين بها.

يتكون طاقم العيادة المتنقلة في منطقة الأغوار من طبيب عام وممرضة وأخصائيتين صحية واجتماعية وفنية مختبر بالاضافة لطبيبة صحة المرأة (د. أسيل). في حديثها عن عمل الطاقم تقول د. أسيل: "نقوم منذ بداية عملنا بزيارةٍ كل أسبوعين لكلٍ من المجتمعات البدوية الستة عشر، وأصبحت زياراتنا أسبوعية منذ شهر فبراير مع تحديد يوم معيّن لكل تجمّع."

يواجه طاقم العيادة صعوبةً في الوصول لهذه المجتمعات وخاصةً خلال فصل الشتاء فالطرق المؤدية لها غير معبّدة، وتُفيد أسيل بأن صعوبة الطرق تؤدي أحياناً لعدم قدرة الفريق على الوصول لبعض التجمّعات وبالتالي فقدان الأخيرة وصولها للخدمات الطبية.

تجدر الإشارة أخيراً إلى أن طاقم العيادة المتنقلة—بالإضافة لتقديمه خدمات الرعاية الأولية—يقوم على تحويل المرضى ذوي الحالات الحرجة لرؤية طبيب استشاري مجّاناً في وحدة العناية التابعة لجمعية الاغاثة الطبية في رام الله.

"منطقة الأغوار معرضةٌ دوماً لهجمات المستوطنين الاسرائيليين"

اشتدت هذا العام وتيرة هجمات جيش الاحتلال الاسرائيلي ومجموعات المستوطنين على المجتمعات الفلسطينية في المنطقة "ج" حيث قاموا بمهاجمة بيوت الفلسطينيين، وحاولوا حرق خيامهم التي يقيمون فيها، واعتدوا بالهجوم والسرقة على مواشيهم، وألحقوا الضرر بأشجار زيتونهم. تخلق هذه الهجمات والتهديد الدائم بتكرارها أو المزيد منها خوفاً لدى الفلسطينيين حيال مساكنهم وسُبل عيشهم، وتبيّن دراسة أجرتها مؤسسة أوكسفام ومعهد دراسات المرأة التابع لجامعة بيرزيت أن 23.5% من النساء في منطقة "ج" يشعرن بمستوى مرتفع من القلق وأن 44.9% منهنّ يشعرن بمستوى متوسط من القلق.

يزيد هذا العنف من حاجة المجتمعات في المنطقة "ج" للوصول للاسعافات الأولية في حالات الطوارئ والحوادث بالإضافة للمخاطر المرتبطة بموقع حياتهم الجغرافي مثل لدغات العقارب وقسوة المناخ، وهي الحاجة التي دفعت طاقم العيادة المتنقلة لتدريب أفراد من هذه المجتمعات على تقديم الاسعافات الأولية.

تؤكد د. أسيل على أهمية هذه التدريبات في منطقة الأغوار في ظل عرضة سُكَّانها لهجمات المستوطنين المقيمين بالقرب منها، خاصةً وأن منطقة الأغوار معزولة جغرافياً ويحتاج سُكَّانها لقطع مسافة طويلة وطرق صعبة للوصول لمرافق الرعاية الصحية، وهو ما يجعل وجود مقدمي إسعافات أولية محليين ضرورةً لصون حياة الفلسطينيين في هذه المنطقة.

قدّمت جمعية الاغاثة الطبية وبدعمٍ من ماب تدريبات الاسعافات الأولية لـ250 فرد من المجتمعات المختلفة في منطقة الأغوار وفي مرتفعات جنوب الخليل والتي تدير فيها جمعية الاغاثة الطبية عيادة متنقلة أخرى، كما وفّرت الجمعية 250 حقيبة إسعاف أولي لكل من أتم التدريب.

باعتبار الأزمة الصحية والإنسانية في الضفة الغربية فإن العيادات المتنقلة تشكّل شريان حياة أساسي بالنسبة للمجتمعات التي تفتقد الوصول للرعاية الطبية؛ إلا أن ذلك لازال يُوجب على المجتمع الدولي أخذ التدابير الكفيلة بتحسين تمويل وتجهيز قطاع الصحة الفلسطيني ليصبح قادراً وبشكل مستدام على الوفاء بالحاجات الطبية الطارئة والآنية والمستقبلية للفلسطينيين.

نرجو تبرعكم الكريم لتعزيز عمل العيادات المتنقلة ودعم استجابة ماب الطارئة في الضفة الغربية

Stay updated – join our mailing list

* indicates required
Your Interests