"عشر دقائق غير كافية لشخص ذي إعاقة لإخلاء بيته بسلام"

تفرض إسرائيل حصاراً وإغلاقاً غير قانونين على قطاع غزة يتسببان منذ 16 عامًا في تقليص حقوق وسلامة 2.2 مليون فلسطيني في غزة، كما يؤثران بشكل خاص على الفلسطينيين ذوي الإعاقة والبالغة نسبتهم 7% من السكان هناك، حيث يقوّض الحصار والإغلاق من وصولهم للخدمات الأساسية—وخاصةً تلقّي الرعاية الطبية في الخارج—ومن قدرتهم على استغلال الفرص لتحقيق حياة مستقرة وكريمة في وقتٍ يعاني ما نسبته 90% منهم من البطالة؛ وهو ما دفع الأمم المتحدة لاعتبار الأشخاص ذوي الإعاقة في غزة "من الفئات الأكثر ضعفًا في مجتمع يشهد أزمة في الأصل".

تنطوي الهجمات العسكرية الإسرائيلية المتكررة ضد غزة على مخاطر أكبر بالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقة فالقوات الإسرائيلية—سواءً في قصفها الجوي أو استخدامها المعتاد للأسلحة المتفجرة في المناطق المدنية المكتظة—غالباً ما تُلحق أضراراً جسيمة بالبيوت والبنية التحتية المدنية مثل الشوارع والمستشفيات وخطوط المياه والكهرباء، بما يؤثر في معظم الأحيان على الخدمات الطبية ومرافق إعادة التأهيل وغيرها من مصادر الدعم اللازمة للأشخاص ذوي الإعاقة بما في ذلك عبر الاستهداف المباشر للمباني وإصابة وقتل طواقم العاملين والمستفيدين وتقييد الحركة في ظل استمرار القصف.

وكما أبلغت جمعية العون الطبي للفلسطينيين (ماب) المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة أن الأشخاص ذوي الاعاقات الحركية أو السمعية أو البصرية غالباً ما يواجهون صعوبات شديدة في إخلاء المباني المدنية التي تتعرض للهجوم، بما يزيد من خطر تعرضهم للإصابة والموت، كما أن الأشخاص منهم الذين تضررت بيوتهم أو دُمّرت غالبًا ما يُضطرون للنزوح لمساكنٍ مؤقتة لا تُلائم احتياجاتهم.

تستمر إسرائيل في هذه الانتهاكات بالرغم من كونها طرفاً في اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والتي تنص المادة 11 منها على وجوب "اتخاذ كافة التدابير الممكنة لضمان حماية وسلامة الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يوجدون في حالات تتسم بالخطورة، بما في ذلك حالات النزاع المسلح"؛ إلا أن الأشخاص ذوي الإعاقة لم يحظوا بالسلامة خلال الهجمة الإسرائيلية الأخيرة على غزة والذين كان سعدي من بينهم—أحد سكّان بيت لاهيا في شمال القطاع.

سعدي، أب لأربعة أطفال وبطل فلسطين للسباحة سابقاً ويلعب حالياً ضمن منتخب فلسطين لكرة القدم البتر، تعرض لبتر ساقه اليسرى إثر حادث طريق تعرّض له أثناء صغره وبات يستعمل كرسياً متحركاً حتى اليوم.

اتصلت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال هجمتها على غزة على جار سعدي وأخبرته بنيّتها قصفَ البيت وطلبت منه ومن عائلته إخلاءه خلال عشر دقائق. وفي وصفه لذلك الموقف يقول سعدي: "كان المبنى من طابقين وفي كل طابق أربعة شقق وكنّا حوالي 20 شخص نسكن في ذلك المبنى ومن ضمننا أطفال ونساء. ماذا كنا لنفعل في عشر دقائق؟"

"كيف لي أن أنقذ نفسي وزوجتي وأطفالي وباقي أسرتي؟ لقد كان الأمر أصعب من كابوس مرعب عشته مع أسرتي. حاولت مغادرة البيت بقدر ما أمكنني من سرعة ولكن ذلك كان صعباً بالنسبة لي لأنني احتجتُ لكرسيَّ المتحرك. كنتُ أصرخ على أطفالي وأسرتي لمغادرة البيت قبل تعرضه للقصف."

"عشر دقائق غير كافية لشخص ذي إعاقة لإخلاء بيته بسلام أو لتأمين الوثائق الرسمية أو المقتنيات، خاصةً تلك المرتبطة بحالة الإعاقة مثل الأدوية والأدوات المساعدة على الحركة."

كان سعدي وأسرته على بُعد خطوات قليلة من البيت حين قصفته طائرة إسرائيلية بدون طيار بصاروخ’ تحذيري ‘وألحقته بعد خمس دقائق الطائرات الحربية من طراز اف-16 بصاروخ أدى لتدمير البيت بالكامل. يقول سعدي، والذي جعل القصف من جوائزه وميدالياته وممتلكاته الشخصية الأخرى ركاماً مدفوناً تحت أنقاض بيته: "تحوّل بيتي إلى أنقاض ورماد خلال ثوان قليلة".

وفي تعليقه على تجربة سعدي يقول هيثم السقّا، مسؤول البرنامج المجتمعي في ماب، غزة: "قصة سعدي تذكرنا بأوجه الهشاشة التي يتعرض لها الأشخاص ذوو الإعاقة في قطاع غزة خلال الهجمات العسكرية الإسرائيلية، وبالرغم من الجهود التي تقوم بها المنظمات المحلية والدولية لخدمة هؤلاء الأشخاص إلا أنهم لازالوا يواجهون العزل ونقص الأدوات المساعدة التي يحتاجونها في سياقٍ تزيد فيها الهجمات الإسرائيلية المتكررة من هشاشتهم ومخاوفهم."

يفيد الاتحاد الفلسطيني العام للأشخاص ذوي الإعاقة أن الهجمة الإسرائيلية الأخيرة أسفرت عن مقتل شخص ذي إعاقة وعن إصابة ثلاثة أشخاص بجروح بليغة تسببت لهم بإعاقة جسدية.

كما تسببت الهجمة والتي استمرت لخمسة أيام بين 9 و14 مايو في مقتل 33 فلسطيني، من بينهم ستة أطفال، وفي إصابة 190 آخرين، وفي نزوح 1,244 شخصاً داخلياً—من بينهم سعدي وأسرته—بعدما تضررت بيوتهم بشكل كبير أو دُمرت بالكامل.

يعيش سعدي وأسرته الآن مع أقاربهم وبالرغم من حصوله على مأوى إلا أن ذلك لا يوفي بحاجاته: "أنا محظوظ لأني نجوت ولكني الآن أعيش في بيت لا يمكنني التحرك فيه بشكل مستقل أو القيام بأموري بشكل سلس، حتى أنّي أجد صعوبة في استعمال دورة المياه وأخشى وقوعي فيها وتعرضي للاصابة."

يناشد سعدي المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان بضرورة توفير حماية خاصة للأشخاص ذوي الإعاقة خلال حالات الطوارئ حيث يصف المرحلة القادمة من حياته على أنها "بداية فصل جديد من المعاناة".

نسعى في ماب مع شركائنا لحماية حقوق وكرامة الأشخاص ذوي الإعاقة في غزة ونرجو مساهمتكم في دعم عملنا عبر تبرعكم الكريم لنا اليوم.

Stay updated – join our mailing list

* indicates required
Your Interests