جيلُ فلسطين: أن أنشأ فلسطينيةً في القدس الشرقية

ينشأ الأطفال الفلسطينيون في القدس الشرقية المحتلة في مواجهة مستمرة مع التمييز الاسرائيلي الممنهج والعنف العسكري الاسرائيلي وعنف المستوطنين ضدهم وبما يتمخض عن ذلك من تهديدات عديدة لصحتهم وسلامتهم؛ إلا أن العديد منهم يجدون الأمل والدعم في مركز السرايا لخدمة المجتمع والذي يتلقى دعماً من جمعية العون الطبي للفلسطينيين(ماب) 

تحاول غادة،16، أن تطور من نفسها على الدوام ولذلك التحقت بمركز السرايا لخدمة المجتمع في قلب المدينة القديمة بالقدس الشرقية. تشارك غادة، وهي من سكّان عقبة المولوية في المدينة القديمة، في أنشطة المركز منذ حوالي
".عشرسنوات حيث تقول أن "الأنشطة هنا تساهم في تنميتي وتساعدني على بناء صداقات جديدة
             
حين كانت غادة في الثامنة من العمر لاحظت أمها أنها غير اجتماعية وأن مستواها الأكاديمي غير مرتفع؛ فهي كالكثير من الأطفال في القدس الشرقية حُرمت طفولة عادية وتعرضت لصدمات يومية ناتجة عن واقع العنف والتمييز وانعدام الاستقرار الذي يواجهه الفلسطينيون في القدس الشرقية.

يبلغ معدل التسرب من المدرسة بين الأطفال الفلسطينيين دون الـ16 في القدس الشرقية 32% مقارنةً بـ1.5% بين الأطفال اليهود في القدس، وتعلّق غادة على هذا التفاوت بأن "الفرق بيني وبين أي طفلة إسرائيلية يهودية هو أنها تُعامل كمواطنة ذات حقوق وامتيازات بينما لا أتلقّى ذات المعاملة. هم يتمتعون بفرص أكثر ووصول سهل للجامعات ولا يواجهون صعوبات نُضطر نحن لمواجهتها."

شهدت غادة منذ صغرها العنف والهمجية المتعاقبين على الحياة تحت احتلال عسكري فدائماً ما يجول الجنود الإسرائيليون الشوارع ويقوم المستوطنون بمضايقة الفلسطينيين وترويعهم والاعتداء عليهم. تذكر غادة أنها ترى الجنود في طريقها للمدرسة كل صباح وتشير إلى واقع حرمان الفلسطينيين من حقوقهم: "نحن كفلسطينيين محرومون من حقوق الإنسان فأي مستوطن يعتدي علينا أو حتى يقوم بقتلنا لا يُقدَّم للمحاسبة. أبغضُ ما أرى هو توقيف الشباب الفلسطينيين وتفتيشهم والاعتداء عليهم في مشهد تُفرض علينا رؤيته كل يوم في القدس".

في محاولة منها لمساعدة طفلتها في ظل هذا السياق القسري قامت أم غادة بتسجيلها في مركز السرايا والذي يوفر مساحةً آمنةً ومساندةً لليافعين ليتمكّنوا من التعبير عن أنفسهم بحرية ولتطوير ثقتهم بنفسهم وتعزيز صلادتهم، كما يقدم المركز لهم ولذويهم خدمات الدعم النفسي-الاجتماعي وخدمات الصحة النفسية.

بدأت غادة مشاركاتها في أنشطة المركز حين التحقت بمخيم صيفي هدف إلى تعزيز المهارات الأكاديمية لدى الأطفال ووجدت حينها صعوبة في الانخراط مع أقرانها وتجنّبت المشاركة في الحفلات والأيام المفتوحة التي يحضرها عدد كبير من الناس؛ إلا أنها عقب انتهاء المخيم قامت بالالتحاق بورشات مركز السرايا الخاصة بتطوير المهارات الحياتية لدى الأطفال وحاولت بناء ثقتها بنفسها وتعزيز نضجها، وقد تحسّنت إثر ذلك مهاراتها الاجتماعية وباتت تشارك في المخيمات الصيفية والبرامج المعنية بالتطور المهني، كما اكتسبت غادة خلال هذه المشاركات ثقة عالية بالنفس واستغلّتها في بناء دائرة من الأصدقاء الجدد وأصبحت مشاركةً فاعلةً في أنشطة المركز.

في تفكّرها في تجربة غادة تقول أمها: "لدى غادة شخصية فريدة اليوم فهي تدرك بوضوح ما تريد وتسعى لتحقيق أهدافها المستقبلية. لقد أصبح لديها العديد من الهوايات، وبمقدوري اليوم مناقشتها في الكثير من المواضيع فأنا أشعر أنها قادرة على فهمي، كما أنني بتُّ أستطيع الاعتماد عليها في الكثير من الأمور."

خلال مشاركتها في أنشطة التدريب المهني قامت غادة بتجربة مهن لم تتوقع أنها ستقوم بها مثل النجارة والحدادة—وهي مهن مقتصرة على الشباب في المجتمع الفلسطيني. كما تنضم غادة اليوم للمتطوعين في المركز القائمين على تنظيم أسبوع القراءة والأمسيات الرمضانية وبازار المركز.

بفضل أنشطة المركز ومشاركة زملاءها تعزم غادة اليوم على تحقيق مستقبل أفضل لها ولأسرتها ولمجتمعها وتعبّر عن ذلك بتخطيطها لدراسة "الحقوق في المستقبل" لكي تصبح "محامية تدافع عن الأسرى المعتقلين إدارياً دون تُهم ودون أي من حقوقهم"، وتتابع: "أملي هو أن نتمتع جميعاً بحقوق مواطنة متساوية وحرية التنقل وأن ننال حريتنا من الخوف من العنف".

كما تحمل غادة آمالاً كبيرةً للجيل القادم من الفلسطينيين حيث تقول: "آملُ أن يتمتع الجيل القادم بحياة أكثر حريةً وأماناً وأن ينعموا بحياة كاملة—كما في أي مكان آخر في العالم—دون الاضطرار لرؤية الجنود. آمل أن يكون لديهم فرص تعليمية وتوظيفية أكثر وألا يُضطروا للعيش تحت قبضة الاحتلال الاسرائيلي."

تؤمن ماب أن غادة كما باقي الفلسطينيين الصغار والكبار تستحق مستقبلاً أفضل، وتدعوكم لمشاركتها إيمانها عبر توقيع العريضة للتعبير عن دعمكم.

Stay updated – join our mailing list

* indicates required
Your Interests