15 September 2023
بات القطاع الصحي في غزة مفتقداً حتى للخدمات الطبية الأساسية في ظل استمرار الحصار والإغلاق غير القانونين الذين تفرضهما إسرائيل لـ16 عاماً الآن على غزة، بالإضافة إلى تكرار عملياتها العسكرية فيها، حيث امتدت آثار عجز القطاع الصحي إلى بنوك الدم الـ12 في غزة والتي تعاني من نقص مستمر في الأدوية والمعدات والموارد المالية.
اتضحت خطورة هذا الوضع بشكل صارخ في أيّار 2021 أثناء تنفيذ قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي أكبر عملية عسكرية لها منذ 2014 حيث بدأت أدوات فحص الدم بالنفاذ من بنوك الدم بما صعّب مهمتها في نقل الدم للمصابين بشكل آمن. ولم تقتصر آثار الأزمة على ضحايا القصف فحسب؛ بل امتدت لتهدد حياة الأفراد الذين يحتاجون بشكل دوري لنقل الدم—مثل المصابين بالثلاسيميا.
في توضيحه لهذه الآثار يشرح علي أبو عبيد—مسؤول أحد برامج ماب في غزة—أن: "معدلات احتياج الدم ترتفع خلال الأزمات، وهو ما يجعل من توفر بنوك دم جيدة التجهيز أمراً ضرورياً لإنقاذ الأرواح سواءً في عاقبة الهجمات العسكرية الإسرائيليية أو حين حوادث الإصابات الجماعية."
ويضيف أبو عبيد: "بدون إمدادات كافية من الدم غالباً ما تُضطر الطواقم الطبية لإتخاذ قرارات صعبة بشأن من يتلقى عمليات نقل الدم، ولذلك فإن للتبرع المجتمعي دورٌ ]في الاستجابة للأزمة[."
تستمر جمعية العون الطبي للفلسطينيين (ماب) منذ عام 2008 في الاستجابة لهذا النقص الملحّ، حيث تركز استجابتها على ضمان تطوير نظام بنوك دم متينة وصلدة، وبدأت في عام 2022 بشراكة مع جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية لتوفير وحدات الدم وتمكين الفلسطينيين في غزة من المشاركة في حملات التبرع بالدم.
تحتاج غزة سنوياً ما معدله 35,000- 40,00 وحدة دم، وقد يرتفع المعدل بنسبة 20% خلال حالات الطوارئ وبما يعني أن المخزون المتوفر قد ينفذ بسرعة. اتضحت هذه الأزمة بشدة خلال "مسيرة العودة الكبرى" بين 2018-2019 حين أُصيب آلاف المتظاهرين بالرصاص الحيّ وواجه نظام بنوك الدم صعوبة في تلبية الحاجة التي ارتفعت حينها بنسبة 30%.
تقوم جمعية الإغاثة الطبية وبدعم من ماب بالتعاون مع سلطات الصحة المحلية لإطلاق حملات دورية لجمع تبرعات الدم في المراكز المجتمعية والمدارس والجامعات والمؤسسات الدينية وأماكن العمل لتيسير التبرع على الراغبين به وللحصول على أنواع الدم المختلفة من أجل تلبية حاجات الدم المتنوعة للمرضى وخاصةً خلال حالات الطوارئ وما ينطوي عليها من حاجة إضافية لأنواع دم معينة.
وفي تأكيده على أهمية هذه الحملات يشير إسماعيل أبو جزر—منسق المشروع في جمعية الإغاثة الطبية—إلى أن: "غزة غالباً ما اعتمدت على المساعدات الخارجية لتلبية حاجات الرعاية الصحية فيها، بما في ذلك إمدادات الدم؛ ولذلك فإن بناء ثقافة مجتمعية متينة تشجع على التبرع بالدم قد يساهم في تخفيف هذا الإعتماد وفي توفير درجة من الاكتفاء الذاتي وبالتالي في تعزيز صمود غزة وقدرتها على الإستجابة بسرعة في حالات الطوارئ."
يساهم تمويل ماب لحملات جمعية الإغاثة الطبية في توفير أكثر من 10% من حاجة تبرعات الدم السنوية في غزة وهو ما يكفل وفرة مخزون دم كافٍ طوال العام، ففي عام 2022 وحده ساهم دعم ماب في 140 حملة تبرع بالدم غطّت جميع مناطق قطاع غزة ونجحت في توفير ما بلغ مجموعه 5,540 وحدة دم.
يتطلب جمع وتخزين الدم مجموعة من المستهلكات والمواد المتخصصة—بما فيها الحقن والأنابيب وأكياس الدم وأغطية بلاستيكية وكمّامات وقفّازات وضمّادات وصناديق السلامة وشرائح زجاجية وبلاستر—وقد ورّدت ماب في عام 2022 ما بلغ مقداره 100,000 دولار أمريكي من الأدوات والمعدات الخاصة بدعم حملات التبرع بالدم في غزة، وبما شمل المستهلكات الطبية اللازمة وأدوات الفحص من أجل تحديد نوع الدم المتبرَّع به والتأكد من سلامته قبل توزيعه على المستشفيات والعيادات.
يعتمد نجاح حملات التبرع بالدم بشكل كامل على المساهمة المجتمعية الفاعلة والمستمرة ولذلك تقدم ماب دعمها لأنشطة التثقيف الصحي والدعوة المجتمعية التي تعقدها جمعية الإغاثة الطبية بهدف رفع مستوى الوعي العام بأهمية التبرع بالدم، حيث تضمنت أنشطة الأخيرة تركيب 15 لوحة إعلانية وتوزيع 12,000 كتيّب وملصق ومنشور بالإضافة إلى بثّ برنامجي إذاعة وثلاث إعلانات إذاعية قصيرة بهدف الوصول إلى أكبر جمهور ممكن.
كما تم إشراك الأطفال كسفراء لحملات التبرع بالدم في مناطقهم وذلك عبر استقطابهم لمخيم صيفي امتد لعشر أيام شارك خلالها 100 طفل من المرحلة المدرسية الابتدائية في أنشطة الفنون والحرف والرياضة والعلوم والدبكة أثناء تعلّمهم عن مواضيع التبرع بالدم والنظافة الشخصية والصحة.
تؤكد ترنيم حمّاد—مسؤولة المناصرة والتواصل في مكتب ماب بغزة—على أهمية إشراك هؤلاء الأطفال في الحملات فـ: "بالرغم من أنهم أصغر من أن يتبرعوا بالدم بأنفسهم إلا أنه من المهم تنشأتهم منذ الصغر على إدراك أهمية التبرع بالدم من أجل إنقاذ حياة الآخرين ومن أجل تشجيع ثقافة العطاء."
تَعتبرُ ماب أن الاعتماد على التبرع المجتمعي في بناء نظام بنوك الدم في غزة ليس مسألةَ طموح وإنما حاجةً لا غنى عنها في ظل الأزمات وحالات الطوارئ المتوالية في غزة والتي تجعل من التبرع المجتمعي وسيلة لإنقاذ حياة العديد من الناس. في سعيها لتمكين الفلسطينيين في غزة من لعب دور أكثر فاعلية في التبرع بالدم تساهم ماب في تعزيز البنية التحتية للقطاع الصحي وتقنين الاعتماد على المساعدات الخارجية وضمان أُطر زمانية مناسبة لتوفير وتقديم وحدات الدم لذوي الحاجة، ويقودها في ذلك السعي إقرارها بأن تحقيق الاكتفاء الذاتي وعبر التكافل الاجتماعي يبدأ من التثقيف ورفع مستوى الوعي والتعهد الجادّ بصون الحياة.
نرجو فضلكم في التبرع اليوم للمساهمة في دعم خدمات بنوك الدم وخدمات الطوارئ والرعاية المعقدة في المستشفيات في غزة.