1 August 2024
مع مرور 300 يوم من العدوان العسكري الإسرائيلي والحصار على غزة، تطالب جمعية العون الطبي للفلسطينيين (ماب) العالم بعدم تطبيع الهجمات المستمرة على المدنيين والعاملين في الرعاية الصحية، بما في ذلك عبر وقف إمداد إسرائيل بالأسلحة.
قامت قوات الجيش الإسرائيلي بتهجير 1.9 مليون فلسطيني في غزة من منازلهم منذ أكتوبر الماضي—أي 90% من السكان—حيث تم إجلاء 1.7 مليون فلسطيني قسراً إلى منطقة تبلغ مساحتها 48 كيلو متراً مربعاً فقط، ما يعني أن أكثر من 35,000 نازح يتكدسون الآن في كل كيلو متر مربع؛ بما يعادل خمسة أضعاف الكثافة السكانية في مدينة لندن بالمملكة المتحدة.
يتعرض سكان غزة في مناطق نزوحهم لهجمات مستمرة بالرغم من إعلانها كـ"مناطق آمنة"، وذلك في ذات الوقت الذي تستمر فيه قوات الجيش الإسرائيلي بتفكيك خدمات الرعاية الصحية بشكل منهجي مما يؤدى لتفاقم الوضع الكارثي في الصحة العامة في غزة، حيث تم تسجيل 1.8 مليون حالة من الإصابة بأمراض معدية والخطر المحدق بتفشي شلل الأطفال إثر العثور على الفيروس في عينات من مياه الصرف الصحي.
لازالت الكوادر الطبية تواظب عملها دون استراحة لليوم الثلاثمئة في هذا السياق من انهيار النظام الصحي، والذي يتفاقم مع تضاعف الطلب على خدمات المستشفيات المتبقية—والتي تعمل بشكل جزئي—جرّاء قتلِ قوات الجيش الإسرائيلي لحوالي 40,000 فلسطينياً وإصابة أكثر من 90,000 آخرين. دفع هذا السياق محكمة العدل الدولية وخبراءَ حقوقيين أممين للإعتقاد بأن سلوك قوات الجيش الإسرائيلي في غزة قد يرقى إلى ارتكاب جرائم وحشية بما فيها الإبادة الجماعية.
في إشارته لمعاناة الكوادر الطبية من الإرهاق الجسدي والنفسي والعجز الخدماتي المتعاقب على إستمرارية الحرب وتفشي آثارها يقول د. محمد محسن—طبيب العناية المركزة في مستشفى شهداء الأقصى في المحافظة الوسطى من غزة: "عملتُ طوال هذه الحرب ومنذ اليوم الأول وأنا مصدومٌ أننا اقتربنا من اليوم الثلاثمئة لأننا توقفنا عن عدّ الأيام ونحن على وشك فقدان الأمل. ما نواجهه اليوم أشبه بأهوال يوم القيامة."
ويتابع بتوضيحه أن:
العدد الهائل من المرضى الوافدين وخطورة إصاباتهم أمرٌ يفوقُ التصور ويتعدى قدرتنا على تقديم العلاج فحتى الحالات البسيطة تفارق الحياة بين يديّ بسبب انعدام المساحة والمستلزمات الطبية الأساسية. أدركُ أن أفراد عائلتي أو أحبائي قد يكونون بين المرضى الوافدين وأنني سأضطر لمعالجتهم أيضاً على أرضية المستشفى بسبب نقص الأسرّة.
كما يشير د. محمد إلى عبئ الموازنة بين الحاجة الماسّة المزدوجة والمتزامنه لكلٍ من عمله الطبي ودوره الأسري:
, أعملَ في بعض الأحيان لأكثر من 60 ساعة بشكلٍ متواصل وأن أستغرق وقت استراحتي في محاولة تأمين الاحتياجات الأساسية لأسرتي. أنا الوحيد المسؤول عن رعاية والدتي، والتي تعاني من فشل كلوي مزمن، وكذلك عن رعاية والدي، وهو مصاب بجلطة دماغية. نحنُ منهكون، مستنزفون للغاية، غارقون في الأعباء، وبحاجة إلى استراحة؛ استراحة حقيقية لنتمكن من البكاء.
يواظب أفراد الكوادر الطبية على عملهم دون تلقي أجورهم، أو رؤية أسرهم، أو تلقي الطعام الكافي، أو بقاء منازلهم ليعودوا إليها، أو الحصول على مياه للشرب أو الإغتسال. تم قتل أكثر من 500 عامل صحي منذ أكتوبر الماضي وهو ما فاق العدد الإجمالي لجميع عاملي الصحة الذين قُتلوا في كل الحروب في عامي 2021م و2022م. مئات آخرين تم الإعتداء عليهم أو اعتقالهم أو حتى تعذيبهم.
في تأكيده في هذا الصدد على ضرورة مساندة الكوادر الطبية في غزة، يقول روهان تالبت—مدير المناصرة والحملات في ماب—أن:
300 يوم من استمرار قوات الجيش الإسرائيلي بالقصف والحصار وارتكاب الفظائع بشكل متكرر خلقت كابوساً تعيشه الكوادر الطبية دون أي راحة. يتوجب على المجتمع الدولي ألا يتخلى عنهم، ويجب منح العاملين في مجال المساعدات الإنسانية والرعاية الصحية العالمية وصولاً آمناً وغير مقيد للدخول إلى قطاع غزة لإغاثة ودعم الطواقم المحلية المنهكة.
ويضيف روهان أنه يجب على العالم ألا يطبّع من الأهوال الواقعة في غزة وأنه يجب على الحكومات—بما فيها حكومة المملكة المتحدة—أن تتوقف فوراً عن إمداد إسرائيل بالأسلحة وأن تكثّف جهودها لتحقيق وقفٍ دائمٍ لإطلاق النار؛ فـ"أي تأخير في ذلك لا يتم حسابه بالأيام بل بأرواح الفلسطينيين".
قال أحد العاملين الصحيين لدى ماب والذي عاد مؤخراً من غزة:
هناك أشياء في غزة سرعان ما تم تطبيع معايشتها رغم أنها ليست طبيعية على الإطلاق. لم أرَ أبداً مثل الفظائع المتفاقمة التي رأيتُ في غزة. لا يقتصرُ ذلك على ظروف المعيشة الصعبة بل يشملُ أيضاً التهديد المستمر لحياة الفلسطينيين والنزوح القسري المتكرر والحصار المتواصل والقائمة تطول. يحاول الناس البقاء على قيد الحياة في أماكن دمرتها القوات الإسرائيلية بالكامل.