12 August 2024
تم تهجير أكثر من 1.9 مليون فلسطيني من منازلهم منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، أي ما يقارب 90% من السكان، وذلك بفعل هجمات الجيش الإسرائيلي وأوامر الإخلاء المستمرة منذ شهر أكتوبر الماضي وحتى الآن.
خلال الشهر الماضي أُجبرَ 400,000 فلسطيني على النزوح من المناطق الجنوبية في مدينة خانيونس بعد أن كانوا قد لجأوا إليها بحثاً عن سلامتهم ولكن دون جدوى فحتى "المناطق الآمنة" التي أعلن الجيش الإسرائيلي عنها قام بقصفها بشكل متكرر.
ينتهي المطاف بالنازحين من مختلف المناطق في غزة باللجوء في خيام أو بنايات غير صالحة للسكن ولا تقيهم الحر الشديد أو البرد القارس، في معاناة يخوضها الفلسطينيون للشهر العاشر من الحرب.
تحدثنا مع أماني—أم لثلاثة أطفال—حول معاناتها في النزوح عدة مرات وما يعنيه ذلك في غزة حالياً.
ماذا حدث لك ولعائلتك؟
أمر الجيش الإسرائيلي سكان شمال غزة بالإخلاء نحو الجنوب بتاريخ 13 أكتوبر 2023م، كان زوجي أحمد يعمل كمسعفٍ هناك لمساعدة الجرحى ولكنه قُتل في غارةٍ صاروخية استهدفت المبنى المجاور لمكان عمله. كان زوجي أطيب وأكرم إنسان عرفته في حياتي ولكن لم يسعفني الوقت الحالي حتى لأحزن على فقدان زوجي، فقد توجب علي الاعتناء بأبنائي الثلاثة: محمد، 12، وعصام، 11، ووليد، 7.
غادرتُ منزلي في منطقة النصر في مدينة غزة بعد أوامر الإخلاء وذهبتُ إلى منزل والدي في مخيم الشاطئ ثم اضطررتُ للإخلاء مرة أخرى تحت القصف إلى رفح في جنوب غزة ولاحقاً إلى دير البلح في المنطقة الوسطى بعد الاجتياح البرّي لمدينة رفح.
قبل عشرة أشهر من الآن كنتُ ربةَ منزل وكنتُ سعيدةً برعاية أسرتي مع زوجي، أما الآن فأنا أرملةً أربّي أبنائي وحدي وينصبُّ اهتمامي على أساسيات الحياة اليومية مثل الطعام والماء وسلامة أبنائي. إنها مسؤولية كبيرة على عاتقي.
أين تقيمين الآن وكيف هي الأوضاع؟
أعيش مع أبنائي الثلاثة وأم زوجي في خيمة مؤقتة. تخيل أسرة كاملة في خيمة! أنا وعائلتي نقوم بمهامنا اليومية في هذه المساحة الضيقة؛ والمحظوظ مَن يستطيع تقسيمَ خيمتِه إلى عدة أقسام باستخدام فاصل داخلي أو قطعة قماش حيث تشكّل الخيام لنا المطبخ وغرفة النوم وغرفة الطعام ومساحة للعب لأطفالي، كل ذلك في نفس الوقت.
لدينا وصول محدود للمياه حيث نحصل عليها من شاحنات نقل المياه أو من نقاط تعبئة قريبة في الحيّ ثم ننقلها إلى الخيمة عبر غالونات المياه وأقوم باستعمالها في غسل الأواني في دلو وأقوم في كثير من الأحيان بإعادة استخدام المياه قدر الإمكان بسبب شُحّها.
أستعمل صابون اليدين لغسل الأواني لأن المنظفات غير متوفرة وأتركُ الأواني لتجفَّ في الهواء ولكن هذه العملية تستغرق وقتاً طويلاً وتتطلبُ إدارة حريصة للمياه لضمان بعض النظافة في ظل الظروف الصعبة. أن تكون نازحاً يُجبرك على طهي الطعام على النار وهي كذلك عملية مجهدة حيث تتطلب إشعال النار في البداية ومن ثم طهي الطعام عليها وتحمُّل الدخان المتصاعد من النار. وكل ذلك مُرهق.
ما معنى أن تكون نازحاً في غزة؟
أن تكون نازحاً يعني أن تفتقد الماء لغسل يديك أو ثيابك وألّا يكون لديك مياه نظيفة للشرب وأنك قد تضطر لشرب مياه ملوثة قد تسبب لك المرض وحتى تقتلك.
أن تكون نازحاً يعني أنه يتوجب عليك الانتظار في طوابير طويلة لاستخدام المرحاض وعندما يحين دورك أخيراً أن يطرق الناس الباب لاستعجالك—دون أن يكون هناك ماء في المرحاض. أن تكون نازحاً يعني أن يكون الاستحمام حلماً يصعب تحقيقه. لقد أصبح الاستحمام رفاهيةً مستحيلة.
أن تكون نازحاً يعني ألّا يكون لديك فراش أو وسادة حيث تتضطر للنوم على الأرض بملاءة عفنة ليس بمقدورك غسلها، وأما وسادتك فهي حقيبة الثياب الوحيدة التي تمكّنتَ من حملها معك عندما اضطررت لمغادرة منزلك؛ فتعاني من آلامٍ في ظهرك وساقيك نتيجةَ للنوم بطريقة غير مريحة وذلك بالإضافة إلى آلامٍ في المعدة وصداعٍ بسبب التوتر.
أن تكون نازحاً يعني أن تراقب السماء وتنظر إليها عشر مرات في الدقيقة الواحدة متخيلاً حدوث مجزرةٍ جديدةٍ بك وبعائلتك تجعل منكم آخر الأخبار العاجلة. أن تكون نازحاً يعني أن تسمع أصوات القصف من حولك دائماً وأن تراه دون أن تدرك مصدره.
ما الدعم الذي تلقيتِه من جمعية العون الطبي للفلسطينيين (ماب)؟
حصلتُ على غالونات مياه سهلة التعبئة وهو ما خفف من شعوري بالقلق بشأن المياه لأن ذلك حسّن من مستوى النظافة والصحة لعائلتي، كما حصلتُ على فراشٍ حسّن من ظروف النوم بالنسبة لي ولأطفالي، وحصلتُ على مواد إغاثية أخرى حسّنت من أوضاعنا المعيشية داخل الخيمة.
كما قدم لي الطاقم رزم نظافة ولوازماً صحية وكسوة للشتاء ومستلزمات للإيواء والتي كانت جميعها مهمةً جداً إذ لم تساهم في تحسين الأوضاع المعيشية المادية فقط بل منحتني شعوراً متجدداً بالأمل والكرامة أيضاً.
كيف تتعايشين مع أهوال الظروف اليومية المحيطة بك؟
أبذل قصارى جهدي لأحافظ على حياة ووحدة عائلتي وسط القصف المكثف الحيط بنا من كل مكان، كما أبحثُ عن مكان مناسب للإيواء وعن المياه والطعام والخشب للطهي، وأقوم برعاية أطفالي وأم زوجي المسنّة؛ أعتبرُ ذلك اختباراً يومياً ولكن أيضاً مثالاً متكرراً من الصمود.
بالرغم من الظروف المعيشية الصعبة في الخيمة إلا أنّني وأطفالي نشعر بالأمان لأننا نعلم أننا لسنا وحدنا ولأن المساعدات التي نتلقاها تمنحنا الأمل وتخفف من معاناتنا وتساعدنا في مواجهة التحديات المحيطة بنا.
قمنا في ماب بالشراكة مع مؤسسة شلتر بوكس البريطانية (ShelterBox) ومن خلال شريكنا المحلي، المنتدى الاجتماعي التنموي (SDF)، بتوزيع مستلزمات إيواء في مناطق جنوب غزة كالشوادر البلاستيكية والفراش والملاءات وغالونات المياه.
يمكننا الاستمرار في المساهمة في تحسين الأوضاع المعيشية للنازحين مثل أماني وعائلتها من خلال دعمكم
يمكنكم التبرع للمساهمة في عملنا اليوم
الصورة: أماني خارج الخيمة المؤقتة التي تأويها في المنطقة الوسطى في غزة.