"لا أمَّ تستحقُ أن تشاهد طفلها يخوض مثل هذه المعاناة": التدمير الإسرائيلي لنظام الصحة في غزة يهدد حياة طفل في الخامسة من عمره

يبلغ محمد خمس أعوام ويسكن مع أمه سندس وأبيه وأخته في شمال غزة. يعاني محمد من الحماض اللبني وهو اضطراب أيضي نادر يتسبب في هزل وتشنجات ومشاكل هضمية ويهدد حياة المصابين به ما لم يتم علاجه.

يحتاج محمد بسبب الاضطراب إلى عناية متخصصة وتغذية مناسبة وعلاج مستمر؛ إلا أن تلبية هذه الاحتياجات تكاد تكون مستحيلة في ظل الهجوم العسكري الإسرائيلي المستمر على غزة منذ أكثر من عام وما تسبب به من تفكيك منهجي لمنظومة الرعاية الصحية. تدهورت صحة محمد بسرعة في هذا السياق وبدأ يعاني من نوبات ومن فقد لقدرته على المشي أو حتى الوقوف، كما أن وزنه تقلّص من 16 إلى 11كغم خلال شهرين فيما يُشير إلى حالة من سوء التغذية الشديد ومضاعفات مصاحبة لها.

كان محمد قبل أكتوبر 2023 يتلقى الدواء والعلاج الطبيعي اللازمين وساعده ذلك في الحفاظ على وزن صحي. تتذكر والدته تلك الأيام بقلب مثقل: "تلقَّى محمد قبل تصاعد الحرب الرعاية التي يحتاجها وكانت حالته أفضل وزاد وزنه وأصبح أكثر نشاطاً. ولكن منذ اندلاع الحرب بتُّ أشاهد حياة ابني تتحول إلى كابوس يومي. جعلت الحرب من العلاج والأدوية غاية صعبة المنال".

هُجّرت أسرة محمد من منزلها واضطرت للنزوح عدة مرات في شمال غزة. تشير سندس إلى أن كلَّ نزوح زاد من عزلهم عن الموارد الأساسية اللازمة لادارة حالته: "تدهورت صحة محمد عندما نزحنا لأول مرة حيث لم نتمكن من الحصول على الأدوية الضرورية أو الغذاء الكافي".

بات شبه مستحيل في هذه الظروف أن يحصل محمد على الطعام اللازم له—والذي يتطلب طحن الطعام عبر جهاز كهربائي ومع ماء مغليّ—ويقتصر الآن طعامه على أغذية معلبة غير مناسبة لحالته والتي لا تجد سندس بدائلاً عنها بالرغم من محاولاتها. كما أصبح وصوله للعلاج المناسب أكثر صعوبة في ظل انقطاع الأدوية الأساسية مثل دانتريلاكس، وهو ما يُشكّل في مجمله تهديداً مركباً لحياة محمد.

في وصفها للتحديات التي تواجه أسرتها أشارت سندس إلى أنهم يعيشون في حالة من الخوف المستمر منذ بداية الحرب وأنها لا تستطيع التحكم في قلقها بشأن فقدان ابنها في أي لحظة. وتابعت أن محمد "يحتاج رعاية مستمرة وأدوية معيّنة وحمية غذائية خاصّة ولكننا محرومون من كل ذلك. تخيل أنني كأم أشاهد بأم عينيَّ تدهور صحة ابني دون أن أستطيع فعل شيء لانقاذه. حتى التمر والسميد الذين اعتدتُ استخدامهما ]لاطعامه[ لم يعودا متوفرين. لقد أصبح ابني هزيلاً وأخشى فقدانه في أي لحظة."

تذهب سندس كل يوم لمستشفى كمال عدوان وعيادة الشيخ رضوان أملاً في العثور على وسيلة لمساعدة ابنها وتفنيد هاجس فقدانه: "أحرصُ على متابعة حالته بشكل وثيق لأن أي عرض صحي قد يتسبب في مضاعفات خطيرة"، كما أنها تتقلد الأمل بشأن اتفاق لوقف إطلاق النار يسمح لها بتوفير الرعاية الضرورية لابنها.

لا يُعدُّ وضع محمد فريداً في غزة فإسرائيل تستخدم التجويع كأسلوبٍ في حربها على غزة، حيث قضى 34 طفلاً كضحايا لسوء التغذية الشديد بينما يتطلب حوالي 50,000 طفلٍ دون الخامسة علاجاً عاجلاً وقبل نهاية العام من أجل الاستجابة لمعاناتهم من سوء التغذية، وذلك في وضعٍ تتفشى فيه الأمراض بما يقوّض نظام المناعة والتغذية لدى النساء والأطفال ويؤدي لزيادة كبيرة وسريعة في عدد المصابين بسوء التغذية الحاد.

تم تشخيص وعلاج أكثر من 80,000 طفل في شمال غزة من المصابين بسوء التغذية الحاد بمن فيهم 1,600 طفل كانوا يعانون من الدرجة الأخطر من الحالة حسبما أفادت منظمة الصحة العالمية.

"الارتفاع الحاد في سوء التغذية خطير ويمكن منعه بالكامل"

أطلقت جمعية العون الطبي للفلسطينيين (ماب) في آغسطس برنامجاً لحماية ما يزيد عن 150,000 طفل وامرأة وآخرين معرضين لسوء التغذية، حيث تقدم عبر برنامجها الجديد الرعاية الصحية في الخطوط الأمامية وخدمات الكشف عن حالات سوء التغذية ومكافحتها، ويهدف البرنامج خلال الشهور الست المقبلة إلى تشخيص أكثر من 41,000 شخص وبما يشمل المرضى ممن خضعوا لعمليات جراحية للتأكد من إحالتهم للعلاج في أقرب وقت ممكن وتلبية احتياجاتهم الغذائية أثناء فترة تعافيهم.

أكد هيثم السقّا—منسق البرامج في ماب والمسؤول عن برنامجها للتغذية—أن أزمة التجويع في غزة جادّة حيث أفاد بأن"الارتفاع الحاد في سوء التغذية الذي نشهده في غزة خطير ويمكن منعه بالكامل. يحتاج الأطفال والنساء إلى وصول مستمر للأغذية الصحية والمياه النظيفة وخدمات الرعاية الطبية والتغذوية، ولكن ليصبح ذلك ممكناً يتوجب أن يتم وقف اطلاق النار بشكل فوري من أجل السماح بوصول إنساني كامل ولفتح نقاط إضافية لإدخال المساعدات لغزة."

تتفاقم مشكلة سوء التغذية في غزة بفعل نقص المياه، سواءً تلك الصالحة للشرب أو تلك المستعملة في الطبخ أو النظافة الشخصية، وذلك بفعل التدمير الإسرائيلي الممنهج لمرافق المياه والعرقلة المتعمدة لوصول المساعدات الإنسانية، وهو ما تسبب في معدل استهلاك يومي يبلغ 4.74 لتر مياه للشخص الواحد—أي أقل من ثُلث الكميّة الموصى بها خلال الأزمات وأقل مما يكفي لاستعمال واحد للمرحاض. يضيفُ نقصُ المياه المأمونة منحً آخراً للوضع الغذائي المتردي في غزة ويشكّل تهديداً لوجود الفلسطينيين في غزة.

هناك طفل مثل محمد وأم قلقة مثل سندس خلف كل رقم وإحصائية مروعة، وما يتحمله الأشخاص مثلهم من معاناة هو نتيجة لصمت دولٍ مثل المملكة المتحدة وعدم التزامها بتطبيق القانون الدولي والضغط على إسرائيل من أجل التوقف عن عرقلة الوصول الفعّال للمساعدات الإنسانية لغزة ومن أجل فرض وقف إطلاق نار فوري ودائم. يتوجب على إسرائيل، باعتبارها القوة القائمة بالاحتلال، أن تضمن للسكّان المحتلين في غزة، بمن فيهم أكثر من مليون طفل، وصولهم للرعاية الصحية التي يحتاجونها.

إن مناشدة سندس تشكّلُ تذكيراً واضحاً بالتكلفة البشرية المترتبة على حرب إسرائيل على الفلسطينيين وإرتكابها لانتهاكات خلصت محكمة العدل الدولية وخبراء حقوقيون أمميون إلى أنها قد ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية: "أريدُ فقط أن أرى ابني بصحة جيدة مرة أخرى. أريدُ أن أوفّر له العناية التي يحتاجها ويستحقها. لا أمَّ تستحقُ أن تشاهد طفلها يخوض مثل هذه المعاناة."

ملاحظة المحرر: تمت مقابلة سندس لهذا الخبر قبل نشر الجيش الإسرائيلي أوامر التهجير في شمال غزة في 7 أكتوبر.

صورة: محمد يتلقى الرعاية برفقة أمه (مصدر: حنين ماهر سليم)

Stay updated – join our mailing list

Sign up for our newsletter to receive all the latest updates from our programmes, campaigns and fundraising appeals.

* indicates required
Your Interests