10 February 2025
لقد عاد الناس سيراً على الأقدام، وبالعربات والدرّاجات التي ساروا بها عبر الأنقاض، وقضى بعضهم أياماً في رحلته؛ وذلك فقط للعثور على أماكنٍ كانت ذات يومٍ مألوفةً لهم وبات الآن من الصعب التعرّف عليها، وذلك في سياق يشهد فيه الناس نطاقاً هائلاً من الدمار فقد تمَّ تدمير أحياء بأكملها ولحق الضرر الجزئي أو الكامل بأكثر من 90% من المنازل في غزة وبما يصل إلى 70% من مرافق المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية في شمال غزة.
كان من بين الفلسطينيين العائدين إلى شمال غزة أعضاء من طاقم جمعية العون الطبي للفلسطينيين (ماب)، والذين حاولوا لمَّ شمل أسرهم والحزنَ على من فقدوهم والعثورَ على ما تبقى من منازلهم. قام بعضهم بمشاركة تجاربهم في العودة وآمالهم بشأن المستقبل:
عبد الله الشرافي، ميّسر الخدمات النفسية الاجتماعية
الحمد الله أنني أخيراً عدتُ بيتي وعانقتُ والدي بعد كل ذلك الوقت. كانت الرحلة صعبة وكان المشي طويلاً ومرهقاً للغاية ولكن الاجهاد اختفى بالكامل في اللحظة التي رأيتُ فيها بيتي وعانقتُ والدي.
نورهان المزيني، منسقة مشاريع
من الصعب جداً أن تعبّر الكلمات عن مشاعري الآن فهي مشاعر مختلطة. أشعرُ بالسعادة والامتنان العميق وأحمد الله أننا نجونا من كل هذه المجازر؛ إلا أنني محزونة في الوقت ذاته لأن عمي قُتل قبل أيام فقط من وقف إطلاق النار بعد أن كان يتوق لهذا اليوم.
أشعر أيضاً بالإنكسار الشديد جرّاء ما أصاب مدينتي الحبيبة والتي اختفت كل الأماكن فيها الآن. كانت غزة عزيزة عليَّ ولا تزال كذلك، كما أنني مكسورة لأن أختي وابنها أجبروا على مغادرة غزة والسفر إلى الجانب الآخر من العالم. لقد اعتدتُ رؤيتهم مرتين في اليوم على الأقل ولكنهم باتو بعيدين جداً الآن.
ما أدركه الآن يقيناً هو شيء وحيد وهو أنني سأسمح لنفسي أخيراً بالبكاء على كل شيء شعرتُ به منذ اليوم الأول من الحرب وحتى اليوم.
باسل أبو رمضان، مسؤول الأصول
عدتُ إلى شقتي في الرمال [في مدينة غزة]. مستوى الدمار لسوء الحظ كان هائلاً بسبب القصف المكثف حول المبنى. لقد كانت الأيام الخمس الماضية مرهقة حيث قضيتها في إزالة الحطام والزجاج وأطنان من الغبار—وهو ما كان صعباً خاصةً لأنني أعيش في الطابق السابع. اضطررتُ أيضاً إلى إصلاح إمدادات المياه، وإعادة تثبيت البراميل وتوصيل الإنترنت والطاقة، واستبدال جميع الأبواب والنوافذ التي تم تفجيرها؛ ولازالت الجهود مستمرة لاستعادة الحد الأدنى من الحياة الطبيعية.
من الصعب جداً العثور على مياه، كما أن الوقود والسولار غير متوفرين تقريباً، وذلك علاوة على التكلفة الباهظة للمواد الخام مثل الخشب والنايلون والزجاج.
وبالرغم من كل هذه الصعوبات والنضالات فإن العودة للبيت تستحق كل ذلك بل وأكثر.
صورة من حي سكن باسل في منطقة الرمال قبل الهجوم العسكري الإسرائيلي في أكتوبر 2023
صورة من حي سكن باسل في الرمال عند عودته في يناير 2025
أحمد أبو جاسر، سائق
دُمِر منزلُنا بالكامل كما حال جميع المنازل الأخرى في مخيم جباليا للاجئين؛ ليس هناك مكان للعيش فيه. لقد توقعنا ذلك—أن تختفي منازلنا وأنه لن يبقى شيء. ما سيأتي بعد ذلك سيكون صعباً بشكل لا يصدق فالعودة إلى الشمال تعني العودة إلى كتلة ضخمة من الردم. كيف لنا أن نعيش بينها ؟
وهناك الكثير من الأسئلة التي لم يُجب عليها: متى سيُزال الردم؟ كيف ستصل خدمات المياه إلى المنطقة؟ هل هناك أي مساحات مفتوحة متبقية يمكنها أن تؤينا؟ لا أحد لديه إجابات.
وعلاوة على ذلك فإن العديد من جيراننا وأصدقائنا ومعارفنا مفقودون. سيتعين علينا أن نسأل عنهم وأن نعرف ما إذا كانوا قد اعتقِلوا أو قُتلوا وتُركوا في مكان ما. هناك ضحايا نعرف أنهم ما زالوا مدفونين تحت الأنقاض وسيتعين علينا انتشالهم ودفنهم بكرامة.
لا أحب أن أكون متفائلاً كثيراً لأنني لا أريد أن تكون خيبة أملي على نحو لا يُطاق، لكنني آملُ أن يصمد وقف إطلاق النار. ستجلب الأيام المقبلة تحديات هائلة لكن لا يسعنا إلا أن نأمل أن تكون أفضل مما تحملناه.
محمد المدهون، مسؤول منح المشاريع (عاد من دير البلح إلى مدينة غزة):
كانت الرحلة إلى الشمال صعبة ومرهقة بشكل لا يوصف فقد كان الطريق نفسه متضرراً وغير متساوٍ، وكان المشي لمسافات طويلة متعباً بشكل لا يصدق خاصةً وأن الجميع كانوا يحملون أمتعتهم على ظهورهم.
بعضهم حمل فراشَه وبعضهم الآخر أغطيتَه وحمل آخرون أطفالَهم، حتى أنه كان بينهم مَن حمل كبار السن وآخرون جرّوا أفراد أسرهم المسنين على بقايا الخيام وأصابهم الإرهاق بسبب المسافات بعيدة.
كانت المشاهد من حولي مأساوية للغاية وبدى التعب والإرهاق واضحاً على وجوه الجميع. لم تكن هناك خدمات متاحة في الطريق فلا مياه ولا حتى مراحيض. كان على الناس أخذ فترات راحة والجلوس على الرمال والأنقاض.
الحياة في الشمال بدائية جداً فالدمار حرفياً في كل مكان وأكثر من أن يُمكن وصفه. لقد رأينا الصور ومقاطع الفيديو من قبل ولكن الصدمة باتت أكبر عندما وصلنا ورأينا كل شيء بأعيننا.
علينا أن نبحث عن الماء بالرغم من صعوبة العثور عليه فقد دُمرت البنية التحتية للمياه في معظم المناطق. في الواقع تبدو محاولة العيش في ظل هذه الظروف البدائية مستحيلة ولكننا ندعو بتحسن الحال.
محمد عاشور، مساعد إداري (عاد من دير البلح إلى مدينة غزة):
استغرقت الرحلة أكثر من 36 ساعة متواصلة بالسيارة وكان الطريق صعباً ومكتظاً. كنتُ مع والديَّ المسنين وزوجتي والأطفال. لقد استنفذتنا الرحلة تماماً لما كانت طويلةً ومرهقة. كان علينا أن نقضي الليل في السيارة دون راحة ودون وصول للماء أو دورات المياه.
بدأتُ أرى شمال وادي غزة بمجرد اجتيازنا نقطة التفتيش لكن المنطقة الواقعة خلفه كانت مرعبة فلا شيء يشبه ما كان عليه من قبل إثر التدمير الكامل لمناطق شاسعة؛ لقد كانت المنطقة غير معروفة وكان من الصعب للغاية إدراك المشاهد ]التي رأيناها[.
شعرت بالارتياح عندما وصلت إلى المنزل ووجدته لازال قائماً. لقد تعرض لتدمير جزئي ويحتاج إلى الكثير من الإصلاحات ولكنه لازال صالحاً للعيش بالنظر إلى كل الدمار في المدينة؛ ولكن الماء لا يزال أكبر مشكلة فهو غير متوفر في منطقتي على الإطلاق.
كيف تقدّم ماب مساعدتها
تقوم ماب بتقييم احتياجات الأشخاص العائدين إلى شمال غزة وتكييف عملها للمساهمة في دعمهم، حيث قامت بتوزيع آلاف الجالونات من مياه الشرب وتقديم خيامٍ لإيواء العائلات من خلال شراكتها مع المنتدى الاجتماعي التنموي. كما تقوم ماب بنقل بعض النقاط الطبية إلى شمال غزة، وتجهيز نقطة طبية على طول الطريق الذي يسافر عبره الناس، ودعم المستشفيات المحلية لاستئناف عملياتها.
نرجو تبرعكم الكريم اليوم للمساهمة في دعم الفلسطينيين في غزة
صورة: آلاف الفلسطينيين يتجمعون في شارع الرشيد غرب مخيم النصيرات في آخر نقطة يمكن الوصول إليها قبل نقطة تفتيش نتساريم. (مصدر: ساهر الغرّة/زوما بريس واير Zuma Press Wire).