"سنواصل عملنا طالما حيينا": آخر مستشفى للأطفال في شمال غزة يجلب الأمل وسط الدمار

يُعدُّ مستشفى أصدقاء المريض الخيري ولأكثر من أربعة عقود أحد أعمدة الرعاية الصحية في شمال غزة؛ إلا أنه واجه بعض التحديات الكبرى منذ بدء الهجوم العسكري الإسرائيلي في أكتوبر 2023. بيّن د. سعيد صلاح—المدير الطبي للمستشفى—في حديثه مع جمعية العون الطبي للفلسطينيين (ماب) الخسائرَ التي لحقت بنظام الرعاية الصحية في غزة، كما يوضح ثبات الطواقم الطبية والتي عبر تلقيها الدعم من ماب لازالت تعيد بناء خدمات الرعاية الصحية المنقذة للحياة بالرغم من تجدد القصف والدمار.

 

ما التحديات التي واجهتها المستشفى منذ بدء الهجوم العسكري الإسرائيلي؟

كل شيء تغير مع هذه الحرب المدمرة من حيث القواعد والتوقعات والحقائق فالعديد من المستشفيات أُخرجت عن الخدمة مما جعلنا نعاني في محاولة خدمة الناس في شمال غزة.

كانت اللحظة الأكثر صعوبة بعد أن أعدنا المستشفى للعمل في أعقاب غارة جوية عسكرية إسرائيلية بتاريخ 28 يناير 2024، حيث قمنا بإعادة تأهيل المستشفى واستئناف عملياتها بتاريخ 1 يوليو 2024؛ ولكن المستشفى خرج عن الخدمة مرة أخرى بعد سبعة أيام فقط بسبب الأضرار الجسيمة التي لحقت بمعظم مبانيه بما في ذلك غرفة العمليات ووحدات الجراحة وقسم الولادة.

لقد كانت تجربة مؤلمة بشكل لا يصدق كأن تبني منزلًا جميلًا تستقبل فيه ضيوفك ثم تشاهده فجأةً ينهار بالكامل وتاركاً إياك بلا شيء. ولكننا بالرغم من ذلك بدأنا من جديد واستأنفنا أنشطتنا عازمين على خدمة شعبنا.

كيف تعاملت المستشفى والمستشفيات الأخرى ]مع واقع الدمار[ في شمال غزة وخاصة فيما يتعلق بتوفير الرعاية لحديثي الولادة؟

تضررت معظم المستشفيات بشكل كبير وباتت تعمل بشكل جزئي فقط، كما اُضطرت مستشفى كمال عدوان لإيقاف خدماتها في ديسمبر 2024، وبالرغم من اسئتناف عملياتها لفترة وجيزة وتقديم خدمات محدودة إلا أنه تعرض لأضرار منذ ذلك الحين.

في الوقت الذي تتزايد فيه أعداد المواليد الخدج تظل الحاجة إلى الحاضنات أكبر بكثير من القدرة المتاحة، وهو ما يعرض حياة الكثير من الأطفال للخطر، خاصةً مع الزيادة الكبيرة في عدد الأطفال الخدج الذين يحتاجون إلى عناية مركزة بسبب سوء التغذية وقلة الوصول إلى الرعاية الصحية. كان في مدينة غزة قبل الحرب أكثر من 100 حاضنة في مستشفيات مثل الشفاء والنصر وكمال عدوان، ولم يبق منها الآن سوى سبعة أو ثمانية. نعمل في هذا السياق في قسم التوليد لدينا على مدار الساعة حيث نُجري ست عمليات ولادة قيصرية يومياً و15-20 عملية ولادة في المجمل، مع العلم بأن الأَسرة تكون مشغولة بالكامل في معظم الأحيان.

ازداد الضغط على المرافق المتبقية مع عودة عدد كبيرة من الأشخاص إلى الشمال خلال وقف إطلاق النار المؤقت، حيث يحتاج عدد هائل من المرضى إلى رعاية عاجلة في ذات الوقت الذي أصبح فيه مستشفى أصدقاء المريض المرفق الرئيسي في غزة—والوحيد في شمال غزة—الذي يقدم خدمات طب الأطفال والعناية المركزة ورعاية حديثي الولادة. لازلتُ أذكر لحظةً حرجة في 7 أكتوبر 2024 عندما وصلت سيارات إسعاف تحمل خمسة أطفال حديثي الولادة من مستشفى كمال عدوان وقد تم حشرهم في ثلاث حاضنات فقط ثم تُركوا على عتبة بابنا. لقد كان موقفاً صعباً ومُفجعاً لأننا لم نملك المعدات اللازمة لاستيعابهم. سارعنا حينها إلى التحضير لرعايتهم وإدارة حالتهم وتمكّنا من ذلك بالرغم من مواردنا المحدودة.

ما مدى أهمية الدعم الذي تقدمه ماب لعمليات المستشفى؟

تمكنّا عبر الدعم الذي تلقيناه من ماب من إنشاء خدمة متخصصة لرعاية الأطفال. كانت خدماتنا قبل الحرب تقتصر على رعاية المرضى الخارجيين من الأطفال إلا أننا مع تصاعد الحرب أنشأنا مركزاً لعلاج سوء التغذية، ثم وبدعم من ماب أنشأنا قسماً عاماً لطب الأطفال ثم وحدةَ عنايةٍ مركزةٍ للأطفال وأخيراً وحدة عنايةٍ مركزةٍ لحديثي الولادة—وكل ذلك في ظل ظروف قاسية.

كان للدعم من ماب دور حاسم وخاصةً في إعادة تأهيل وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة، وبفضل هذا الدعم أصبحت مستشفى أصدقاء المريض الوحيدة في شمال غزة القائمة على رعاية الأطفال الخدج.

ما أوجه النقص في الموارد أو الخدمات الطبية التي تواجهها المستشفى حالياً؟ وكيف تؤثر على رعاية المرضى؟

تسببت الحرب في تدمير البنية التحتية للرعاية الصحية وإنهاك مواردنا، كما أن العدد الهائل من الإصابات والأمراض استنزف والأدوية والإمدادات الطبية لدينا في الأشهر الأولى، أما الحصار الإسرائيلي فيمنع دخول الأدوية والمعدات والإمدادات الأساسية إلى غزة وهو ما يُضطرنا للعمل بالحد الأدنى ]من الموارد اللازمة لتقديم خدماتنا[.

خففت مؤسسات مثل ماب بعض هذا العبء من خلال توفير الأدوية والإمدادات والمعدات التي تم الحصول عليها من السوق المحلي؛ ولكن الوضع لا يزال مأساوياً والعديد من المرضى المصابين بأمراض خطيرة يفتقدون الحصول على العلاج الكافي.

يشكل نقص الأوكسجين تحدياً مستمراً فبدون محطة أوكسجين نحن نعتمد على 20 اسطوانة يومياً، لكن الإمدادات غير مضمونة أبداً، وأُصاب بتوتر شديد عند نفاد الاحتياطيات لأنني أخشى فقدان طفل في وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة، ولذا أرسل على الفور مناشدات عاجلة للحصول على الأوكسجين.

أي اللحظات أثّرت عليك بشكل خاص كمديرٍ للمستشفى، ؟

إحدى أكثر التجارب رعباً كانت في مايو من العام الماضي عندما تم نقل طفلةٍ بحالة حرجة إلى المستشفى. كانت الطفلة بحاجةٍ إلى العناية المركزة وجهاز تنفس صناعي ولكن لم يكن لدينا أي جهاز في ذلك الوقت و لم نتمكن لسوء الحظ من إنقاذها.

لدينا الآن وحدة عناية مركزة مع ثمانية أسرّة ووحدةٌ لحديثي الولادة تعمل بشكل كامل، والتي بدونها لن يكون لدى الناس في شمال غزة أي وصول لخدمات رعاية للأطفال أو حديثي الولادة على الإطلاق. إنها كابوس وكارثة.

ماذا تود القول للعالم؟

أولاً نحن بحاجة لوقف إطلاق النار بشكل دائم؛ وعندها فقط يمكننا إعادة البناء وإدارة الموارد والتعافي. هذه الحرب عشوائية وقد دمرت الناس والمباني والبنية التحتية. إنهاءها بشكل دائم هو الحل الوحيد.

ثانياً، أحثُّ منظمات الرعاية الصحية على إنشاء نقاط طبية كحلٍّ مؤقت. لقد تم محو مستشفيات وزارة الصحة وسنحتاج سنوات من أجل إعادة بنائها وستكون النقاط الطبية ضرورية في هذه الأثناء.

لقد صنعت الطواقم الطبية في غزة التاريخ فلم يحدث من قبل أن حرباً استهدفت فألحقت دماراً كهذا بالمرافق والطواقم الطبية. وعلى الرغم من هذه التحديات غير المسبوقة إلا أن الطواقم الطبية لا تزال ثابتة حيث بقي د. حسام أبو صفية على رأس عمله في إدارة مستشفى كمال عدوان حتى لحظاتها الأخيرة وحتى بعد أن كان قد تم تدميرها وإضرام النار فيها. إن ثباته واعتقاله في نهاية المطاف هما رمزٌ للتضحيات التي قدمتها طواقمنا الطبية.

كما أن عدداً لا يحصى من أفراد الطواقم الطبية تعرض للقتل أو الاصابة أو التعذيب، وعلى الرغم من ذلك فإننا سنواصل عملنا طالما حيينا من أجل خدمة شعبنا وتقديم كل ما في وسعنا للتخفيف من معاناته.

صورة: فرد من طاقم طبي في وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة في مستشفى جمعية أصدقاء المرضى الخيرية في مدينة غزة

Stay updated – join our mailing list

Sign up for our newsletter to receive all the latest updates from our programmes, campaigns and fundraising appeals.

* indicates required
Your Interests