الطفلة سبقت المشقّة: دور جراحة الكسور المعقدة في غزة

تعرّضت مريم، 6 أعوام، لحادث خطير في حيّ سكنها في خانيونس جنوب قطاع غزة حين اصطدم بها مراهق كان يجرّب حذاء عجلاته الجديد وداس عرضاً أعلى ساقها. عانت مريم من الألم إثر الحادث وتمَّ تحويلها لقسم الكسور المعقدة في مستشفى غزة الأوروبي في خانيونس في آب 2022.

أدركت سناء، والدة مريم، أن "شيئاً فظيعاً قد حدث في اللحظة التي وقعت فيها مريم فقد أخذت بالبكاء والصراخ بشكل لاإرادي وأسرعنا حينها في نقلها للمستشفى".

كشفت سلسلة من الفحوصات أن جزءً من عظم الفخذ لدى مريم قد أُصيب بعدوى وهو ما أكدته بعد ذلك خزعة بيّنت إصابتها بالتهاب العظم—وهو نوع من أنواع الالتهابات المؤلمة التي عادةً ما تصيب عظام الساق، كما في حالة مريم.

يمكن علاج التهاب العظم عبر المضادات الحيوية حال الكشف عنه مبكراً ولكنّه يتطلب تدخلاً جراحياً حال الكشف المتأخر عنه، وغالباً ما يتم الكشف عنه عبر تصوير الرنين المغناطيسي إلا أن عدم وجود هذه التقنية في خانيونس اضطر مريم للحصول على صورة أشعة مقطعية فقط وبذلك تمّ الكشف عن إصابتها بالالتهاب متأخراً بعد خضوعها لتصوير رنين مغناطيسي لاحقاً في مستشفى الشفاء في مدينة غزة.

أُخبر ذوو مريم أنها ليست بحاجة لعملية جراحية ولكن أنّ عليها الرجوع للمستشفى حال إصابتها بحُمّى، وهي ما عانت منه بعد سبعة أيام فقط وعادت على إثرها للمستشفى حيث أزال الجرّاحون الصديد من ساقها وقاموا بتنظيفها وتجبيرها.

بقيت مريم في المستشفى لعدة أيام، وتحسّنت حالتها بعد إزالة جبيرة ساقها ولكن بدرجة قليلة جعلت سناء قلقةً على صحتها ومضطرةً لحملها أثناء ذهابهما لأي مكان، كما أنّ حالة مريم النفسية لم تكن جيدة وأبدت مستويات متدنية من النشاط والشهية.

وقعت مريم عن درج بيتها في حادثةٍ لاحقة وأُصيبت بكسر آخر في ساقها—فقط بعد أسبوعين من تاريخ إصابتها الأولى—مما اضطرها للخضوع لعملية جراحية استمرت لأربع ساعات قام فيها الأطباء بوضع مثبّت خارجيٍ على ساقها من أجل الحفاظ على الموقع الصحيح للعظام حيث يتكون المثبّت من لوحٍ خارجي مرتبطٍ بمسامير أو براغ معدنية تُثبَّت في العظم عبر شقوق صغيرة في الجلد والعضلات.

رافقَ مريم جدُّها زكي خلال فترة تشخيص حالتها وخضوعها للعمليات الجراحية، خاصةً لأنه ممرض متقاعد ولديه خبرة في التعامل مع المرضى: "كنتُ أعمل في المستشفيات وأعرفُ مجريات العمل هناك وأدركُ صعوبة ذلك كله على مريم وعلى ابنتي وزوجها أيضاً؛ أريدهم أن يشعروا بالطمأنينة".

صورة: مريم مع جدّها زكي في مستشفى غزة الأوروبي (المصدر: شركة ريفلكشن ميديا/ماب)

استمرت مريم في التحرك مع المثبّت الخارجي لـ100 يوم واُضطرت للتوقف عن العديد من الأنشطة الرياضية وسواها التي كانت تحبها، وفي مقارنتها بين حياة مريم قبل وبعد الإصابة تخبرنا سناء: "مريم طفلة نشيطة جداً وكانت تحب السباحة والرقص والقفز على الترامبولين ]أداة ترفيهية لتمارين القفز والرياضة[. لقد توقفت عن كل تلك الأنشطة لعدة أشهر بسبب الألم في ساقها".

قضت مريم مع والدتها معظم صيف عام 2022 في القيام بأنشطة داخل البيت مثل التلوين والقراءة وبعض أعمال المنزل، واُضطرت أسرتها لتعديل ثيابها بما يناسب وجود المثبّت الخارجي على ساقها، كما أحضر جدّها لها بناطل رياضية ذات أزرار أو سحّابات جانبية تمكنّها من ارتداءها مع المثبّت الخارجي—إلا أن مريم كانت تفضل الأثواب والفساتين.

شكّل وجود المثبّت تحديات أخرى لمريم وأسرتها فيجب مثلاً ألا يتعرض اللوح الخارجي للماء أو الصابون أو أي سائل استحمام معطّر من أجل تفادي الإصابة بأي عدوى، ولذلك واظبت سناء على تجفيف اللوح بشكل تام عبر منشفة جديدة وتنظيف كافّة المسامير بعد كل مرة استحمام.

تم إزالة المثبّت بعد 100 يوم وتُركت جروح ساق مريم لكي تلتئم إلا أن ساقها ظلَّ رخواً وتعرض للكسر من جديد. حدث ذلك في شباط 2023 بالتزامن مع وفود بعثة ماب الطبية إلى قطاع غزة والمؤلفة من جرّاحين مختصين في الكسور المعقدة. حظيت مريم بفرصة فحصها على يد المتطوعين الوافدين في قسم الكسور المعقدة بمستشفى غزة الأوروبي وقرروا وضع مثبّت خارجي آخر على ساقها للحفاظ على طولها واتساقها ودورانها.

وفي تعقيبه على رحلة علاج مريم يقول جدُّها: "هذه العملية الجراحية الثالثة التي خضعت لها مريم فالأولى كانت من أجل إزالة الصديد من ساقها والتي على إثرها عانت من حالة شديدة من التهاب العظم، وكانت الثانية لوضع مثبّت خارجي. ستستمر في اعتمادها على الدواء وآملُ أن تساعدها العملية الجراحية على الشفاء. لقد كانت بصحة جيدة قبل إصابتها واعتادت اللعب والذهاب للحضانة. مضى الآن حوالي عام منذ اصابتها."

تتابع ماب حالة مريم منذ شباط من العام الجاري وهي آخذةٌ بالتحسن فقد طورّت من تكيّفها مع وجود المثبّت وباتت تضع وسادة تحت أو حول ساقها أثناء نومها للحفاظ على ثباتها ومنع باقي جسدها من الاحتكاك فيه، كما عادت الآن لممارسة حركتها بشكل بسيط. وكما تؤكد والدتها فإن العملية الجراحية الأخيرة: "على أيدي الأطباء البريطانيين المتطوعين كفَّتْ عنها الألم وبالتالي سمحت لها بالقدرة على النوم وهو ما يحسّن من حالتها النفسية، كما سمحت لها بالقدرة على الرقص شيئاً قليلاً ودون الخوف من الشعور بألم. ربما أنّها اعتادت المثبّت لوجوده مرةً ثانيةً الآن".

خلال عودتهم  إلى قطاع غزة في حزيران 2023 قام الجرّاحون المتطوعون مع ماب بمراجعتهم حالة مريم وبناءً على تشخيصاتهم قرروا تعديل محاذاة المثبّت عوضاً عن إزالته لكي يتسنّى شفاء العظم بشكل كامل ولمنع حدوث أي كسور أخرى.

تخطط أسرة مريم الآن لعدة أنشطة ستقوم بها خارج المنزل خلال الصيف بما في ذلك الذهاب إلى شاطئ البحر، في دليل على تحسّن حالة مريم وانعكاسه بشكل ايجابي على شعور أسرتها، وهو ما يعكسه زكي في شعوره تجاه المساهمين في تحسّن حالة حفيدته: "أودُّ شكر ماب من أعماق قلبي لأننا لن نكون هنا اليوم لولاها ولولا ]طاقم[ قسم الكسور المعقدة الذي كشف عن إصابة مريم بالعدوى خلال تشخيص حالتها وأطباء العظام الذين اعتنوا بها خلال العملية الجراحية وطاقم التمريض الذي أحسن متابعة حالتها."

نرجو فضلكم في المساهمة في دعم خدمات الكسور المعقدة والرعاية الطارئة والمعقدة في المستشفيات في قطاع غزة

تعمل ماب منذ حوالي عشر سنوات لتحسين خدمات الكسور المعقدة في غزة، ونريد التعبير عن امتنانا للمتطوعين الذين بلغ عددهم 50 ممن جاؤوا من حوالي 18 مستشفى تابعة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة (ان. اتش. اس) وقدّموا وقتهم وخبراتهم للقيام بهذا العمل لتحسين خدمات الكسور المعقدة في غزة والذين لما كان هذا العمل ممكناً بدونهم.

صورة: مريم أثناء مكوثها في مستشفى غزة الأوروبي (المصدر: شركة ريفلكشن ميديا/ماب)

Stay updated – join our mailing list

Sign up for our newsletter to receive all the latest updates from our programmes, campaigns and fundraising appeals.

* indicates required
Your Interests