معاناة اللاموصوف: السعي من أجل نجاة وكرامة الأشخاص ذوي الإعاقة في غزة

تخيل أنك تحاول الفرار من غارات جوية أو قصف دون أن تستطيع سماعَ أي من الأصوات حولك، أو أنك تحاول إخلاءَ منزلك بعد أن تمَّ إجبارُك على النزوح منه ومن ثمَّ سلوكَ طُرقٍ ترابية ومتضررة مستخدماً كرسيّك المتحرك (ما لم تكن قد فقدتَه تحت أنقاض مبنً تمَّ قصفُه)، أو أنك تحاول معرفة مدى قذارة الماء الذي تشربه ولكنك لا تستطيع رؤيته.

هذه فقط بعض التجارب التي خاضها أشخاصٌ ذوو إعاقة في غزة على مدار العام الماضي.

تَحدَّثنا بمناسبة اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة في الثالث من ديسمبر مع لؤي أبو سيف، مسؤول برنامج الإعاقة في جمعية العون الطبي للفلسطينيين (ماب) في غزة، حيث عرض لنا التحديات التي تواجه الأشخاص ذوي الإعاقة في غزة في ظل الحصار والهجمات العسكرية الإسرائيلية المستمرة وشرح لنا ما تقوم به ماب لمساعدتهم.

ما هي أوضاع الأشخاص ذوي الإعاقة في غزة؟ كيف كانت الأمور قبل أكتوبر 2023؟

كان هناك نحو 58 ألف شخص من ذوي الإعاقة يعيشون في غزة قبل أكتوبر 2023، وكانوا يواجهون العديد من التحديات المضنية والتي سلبتهم كثيراً من كرامتهم وجودة حياتهم، حيث شملت سنواتٍ من الحصار والقيود الإسرائيلية بالإضافة إلى التهميش والوصمة التي يربطها المجتمع بالإعاقة.

كما واجه الأشخاص ذوو الإعاقة نقصاً في الخدمات الطبية والرعاية الصحية والأجهزة المساعِدة والبنية الأساسية المتاحة لهم، وهو ما تسبب في تفشّي البطالة بين حوالي 100% منهم بجانب تعرضهم لمستويات فقر أعلى من نظراءهم في المجتمع.

كم زاد عدد الأشخاص ذوي الإعاقة منذ أكتوبر 2023؟

أُصيب أكثر من 104 ألف شخص حتى الآن في الهجمات العسكرية الإسرائيلية منذ أكتوبر 2023. تشيرُ التقديرات الحالية إلى أن رُبع المصابين بحاجة لخدمات إعادة التأهيل حيث يعاني أكثر من 2,000 منهم من إصابات في النخاع الشوكي والدماغ، بالإضافة إلى 15 ألف آخرين تسببت الهجمات الإسرائيلية بالإعاقة لهم. ومن المتوقع أن ترتفع هذه الأرقام مع استمرار الحرب على الفلسطينيين في غزة، فيما ]صرّحت ليزا دوتِن، مديرة التمويل والشراكات في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية[ بأن عدد الأطفال مبتوري الأطراف في غزة هو الأعلى في التاريخ الحديث.

ما هي المخاطر التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة في غزة الآن؟

غالبًا ما يكون الأشخاص ذوو الإعاقة أكثر عرضة لآثار الحروب، كما يواجهون صعوبة أكبر في الوصول إلى المساعدات الإنسانية والأماكن الآمنة؛ بما يجعلهم أكثر عرضة للقتل والإصابات الخطيرة والاعتداء الجنسي وغير ذلك من أشكال الضرر والاعتداءات.

واجه الأشخاص ذوو الإعاقة مزيداً من الصعوبة في تحديد وقت الهجمات والفرار بعيداً عن أماكنها منذ بدأ الجيش الإسرائيلي بهجماته على غزة في أكتوبر 2023، وينطبق ذلك بشكل خاص على الأشخاص ذوي الإعاقات الجسدية—أو من يستخدمون أجهزة مساعِدة مثل الكراسي المتحركة—حيث واجهوا صعوبةً أكبر في التنقل من المباني التي تعرضت للقصف وعبر الطرق المتضررة. أما بالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقات البصرية أو السمعية فقد واجهوا صعوبةً أكبر في  تحديد أماكن القصف أو الأماكن التي أرادوا الفرار إليها.

كما واجهوا مشكلةَ وصولٍ متعلقة بالمعلومات والخدمات الإنسانية والتي تميل أثناء حالات الطوارئ لكونها غير متاحة لهم—بما فيها الملاجئ وخدمات الدعم والرعاية الطبية.

لقد أبلغنا أشخاص من ذوي الإعاقة في مختلف أنحاء قطاع غزة أنهم يتوقعون كونهم أول الضحايا أو الضحايا التالية للهجمات العسكرية الإسرائيلية وذلك بسبب المعيقات لقدرتهم على الإخلاء أو الفرار. كان لذلك أثر كبير على الصحة النفسية للعديد من الأشخاص ذوي الإعاقة.

كيف يُخلي الناس أماكنهم؟

قام الجيش الإسرائيلي على مدار العام الماضي بفرض التهجير القسري على سكّان غزة وتكرار ذلك، حيث أصدر أوامر التهجير في كثير من الأحيان في اللحظة الأخيرة أو بشكل فوري بما أنذر أن المنطقة ستتعرض للهجوم خلال وقت قصير جداً ولذلك توجب على أن يكونوا جاهزين للإخلاء بسرعة وهو ما قد يكون صعباً للغاية بالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقة الجسدية أو الحسيّة فمثلاً لا يمكن للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية قراءة المنشورات التحذيرية بشأن الإخلاء حين يتم إسقاطها كما قد لا يتمكن الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية من سماع الصواريخ القادمة أو أصوات الإنذار أو هتافات التحذير.

وببساطة هناك بعض الأشخاص غير القادرين على التحرك بسهولة أو إخلاء منازلهم خاصةً أولئك الذين يحتاجون لمعدّات متخصصة. كما أنه لم يعد هناك أي طرق أو أرصفة مناسبة في غزة وهو ما يجعل الحركة صعبة جداً.

اضطر بعضُ الأشخاص ذوي الإعاقة للنزوح أكثر من 10 مرات، ويُضطر الناس حين النزوح للتحرك الفوري بما يعني عدم قدرتهم دوماً على اصطحاب كل شيء معهم، كما أن حالة الهلع والفوضى تعني أن الأجهزة المساعِدة قد تُكسَر وأن الأدوية تبقى تحت الركام.

اضطر الكثير من الأشخاص ذوي الإعاقة للتفرق عن أسرهم وأصدقائهم والقائمين على رعايتهم بالإضافة للمؤسسات والمجتمعات المناصرة لحقوقهم والعاملة على تلبية حاجاتهم اليومية، بمن فيهم الأطفال ذوو الإعاقة والذي يخوضون تجربة مريعة وخطيرة.

هل تمكن الناس من الحصول على الأجهزة المساعدة والأدوية التي يحتاجونها؟

من الصعب أن يصدق أحدهم المشقّة التي يخوضها الناس للحصول على الخدمات والأجهزة التي يحتاجون لها للعيش بشكل مناسب. هناك معاناة كبيرة بسبب ذلك فعدد المصابين المحتاجين للدعم والأجهزة المساعِدة يفوق إلى حد كبير المخزوناتِ المتوفرةَ حالياً في غزة، وهناك حاجةٌ هائلةٌ للكراسي المتحركة ومساعدات المشي وأجهزة السمع وغيرها من الأجهزة؛ وذلك في وقتٍ تضررت فيه خدمات إعادة التأهيل والخدمات الطبية وكل مستشفيات غزة بفعل الهجمات العسكرية الإسرائيلية والحصار—دون أن يتمكن الآن أي مستشفى من العمل بطاقته الكاملة.

ماذا تقدّم ماب لدعم الأشخاص ذوي الإعاقة؟

شرعت ماب في آغسطس 2024 بمشروع جديد للاستجابة للحاجات الحرجة للأشخاص ذوي الإعاقات الجسدية وذلك بالتعاون مع وزارة الصحة حيث يهدف المشروع إلى تقديم خدمات إعادة تأهيل متعددة الجوانب بالإضافة إلى تقديم الأجهزة المساعِدة وحقائب النظافة الشخصية، ويركز المشروع على تعزيز الحركة والاستقلال والسلامة النفسية-الاجتماعية، ولدينا اليوم خطط لتوزيع حوالي 6,000 أجهزة مساعدة في شمال وجنوب غزة.

لقد ساهمت ماب في إعادة تأهيل قسم العلاج الطبيعي للمرضى الخارجيين في مستشفى ناصر والتي عاد إليها طاقم وزارة الصحة لتقديم خدمات هامّة للأطفال المصابين بالشلل الدماغي والتواء العنق (الصعر) والأشخاص الذي تعرضوا لإصابات أثّرت على الأوعية الدموية الدماغية أو الأعصاب الطرفية لديهم وغيرهم من ذوي الحاجة للرعاية الطبية. نتوقع من هذا العمل المنقذِ للحياة أن يعزز بشكل كبير جودةَ الحياة التي يتمتع بها هؤلاء الأشخاص وذووهم.

كما نتعاون مع جمعية أطفالنا للصمّ بهدف تقديم الرعاية السمعية والنفسية وخدمات الدعم النفسي-الاجتماعي للأشخاص الذين أُجبروا على النزوح من بيوتهم. سنقوم بإجراء فحوصات سمعٍ لـ12,000 طفل وشخص بالغ متواجدين في أماكن اللجوء في مختلف محافظات غزة وسنحدد الحالات التي تتطلب متابعة ودعماً بعد ذلك، وسنقدّمُ المُعِينات السمعية لحوالي 650 شخصاً من ذوي الحاجة لها، بالإضافة إلى توفير جلسات علاج النطق للأطفال المصابين باضطرابات النطق من أجل تحسين قدراتهم على التواصل ودعمهم في الاندماج بشكل أفضل في حياتهم الأسرية والمجتمعية.

تنشطُ ماب أيضاً في هذا المجال عبر تكوين شراكات مع منظمات غير حكومية محليّة لتعزيز قدرات الأخيرة على الاستجابة الفعّالة في حالات الطوارئ للحاجات الأساسية الحرجة للأشخاص ذوي الإعاقة وغيرهم من الأشخاص المستضعفين، ويشمل ذلك تقديم الأنشطة المتعلقة بالإغاثة وإعادة التأهيل والرعاية الطبية والتمكين الاقتصادي والمناصرة وتعزيز الحقوق والتعليم الشمولي.

أشارت بانة، 15 عاماً، بعد استفادتها من عمل ماب إلى أن "الطاقم الطبي ساعدني في اكتشاف مشكلة حقيقية في سمعي حين زاروا الملجئ وقاموا بالفحص". وأضافت سارة، 4 أعوام: "أحبُّ جلسات علاج النطق وأحب تعلّم أحرف جديدة."

نعمل على سدّ الاحتياجات التي يواجهها الناس هنا فالطلبُ كبيرٌ جداً ومتزايد بسبب إصابة المزيد والمزيد من الناس بالإعاقة نتيجة الهجمات العسكرية الإسرائيلية والعراقيل المفروضة في البيئة المحيطة.

 

نرجو تبرعكم الكريم اليوم لتمكين ماب من مواصلة تقديم الدعم الهام للفلسطينيين ذوي الإعاقة في غزة والضفة الغربية ولبنان

 

صورة: الطفلة النازحة رسيل، 10 أعوام، تمشي باستخدام مساعدات المشي بعد تلقّيها خدمات رعاية الجروح والعلاج الطبيعي في عيادة التضامن متعددة التخصصات التابعة لماب في مدينة دير البلح (مصدر: بام ميديا/ماب)

Stay updated – join our mailing list

Sign up for our newsletter to receive all the latest updates from our programmes, campaigns and fundraising appeals.

* indicates required
Your Interests